لكن عنوا كون القائل مستجمعا لشرائط الاجتهاد ويكون حيا.
فقوله حجة على العامي، ومن لم يبلغ رتبة الاجتهاد فقط، لا على مجتهد آخر، ولا يقولون بحجية غير ما ذكر، بل يحرمونه ويدخلونه تحت المناهي وما ليس بحجة ولو لم يدلهم دليل على حجية القدر الذي قالوا بحجيته لكانوا يحرمون ذلك أيضا، ويجعلونه مثل ظن العامي، ويدخلونه تحت الأصل والعمومات والأدلة الدالة على عدم حجية قول غير المعصوم وحرمة العمل به.
بل في الحقيقة قول المجتهد ليس عندهم حجة أصلا، بل الحجة الأدلة الدالة على حجية القدر المذكور.
مثلا: شهادة العدلين، لو لم يدل دليل من الشارع على اعتبارها فيما جعلها الشارع معتبرة فيه لكان حالها وحال الظنون المحرمة - مثل الظن الحاصل من الرمل والنجوم أو قول الفاسق - سواء، بل ربما يحصل من الأمور المزبورة ظن أقوى.
فصار المعلوم أن الحجة هو حكم الشارع ودليله، فإن الحكم الشرعي هو حكمه باعتبارها لا ما شهدوا به.
وإذا ظهر لك ذلك، نقول: العامي لا بد له أن يعتقد رضا الشرع بتقليد المجتهد، وجعل ظنه محسوبا مكان شرعه الذي هو الحق اليقيني، وبديهي أن ذلك لا يحصل له من نفس تقليد المجتهد، لما فيه من الدور المحال الواضح، فمستنده ليس إلا ما حصل له بالتظافر والتسامع المتعين بأن غير الفقيه عليه أن يرجع إلى الفقيه في حكم الشرع، كما هو الشأن في جميع العلوم والصناعات التي يتوقف عليها نظم المعاد والمعاش أن غير أهل الخبرة يرجع إلى أهل الخبرة فيها بلا شبهة، وأن مدار المسلمين في الأعصار والأمصار كان على ذلك بالبديهة.