تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٥٦
فقد حكم الذهن بإسناد مفهوم ضرب إلى شيء، ثم يحكم الذهن بأن ذلك الشيء هو زيد الذي تقدم ذكره، فحينئذ قد أخبر عن زيد بأنه هو ذلك الشيء الذي أسند الذهن مفهوم ضرب إليه، وحينئذ يصير قولنا: زيد مخبرا عنه وقولنا ضرب جملة من فعل وفاعل وقعت خبرا عن ذلك المبتدأ. ارتباط الفعل بالفاعل:
المسألة الثالثة: قالوا: الفاعل كالجزء من الفعل، والمفعول ليس كذلك، وفي تقريره وجوه: الأول: أنهم قالوا ضربت فاسكنوا لام الفعل لئلا يجتمع أربع متحركات، وهم يحترزون عن تواليها في كلمة واحدة، وأما بقرة فإنما احتملوا ذلك فيها لأن التاء زائدة، واحتملوا ذلك في المفعول كقولهم ضربك، وذلك يدل على أنهم اعتقدوا أن الفاعل جزء من الفعل، وأن المفعول منفصل عنه، الثاني: أنك تقول: الزيدان قاما أظهرت الضمير للفاعل، وكذلك إذا قلت زيد ضرب وجب أن يكون الفعل مسند إلى الضمير المستكن طردا للباب، والثالث: وهو الوجه العقلي - أن مفهوم قولك ضرب هو أنه حصل الضرب لشيء ما في زمان مضى، فذلك الشيء الذي حصل له الضرب جزء من مفهوم قولك ضرب، فثبت أن الفاعل جزء من الفعل. الإضمار قبل الذكر:
المسألة الرابعة: الإضمار قبل الذكر على وجوه: أحدها: أن يحصل صورة ومعنى، كقولك ضرب غلامه زيدا والمشهور أنه لا يجوز لأنك رفعت غلامه بضرب فكان واقعا موقعه والشيء إذا وقع موقعه لم تجز إزالته عنه، وإذا كان كذلك كانت الهاء في قولك غلامه ضميرا قبل الذكر، وأما قول النابغة: - جزى ربه عني عدي بن حاتم * جزاء الكلاب العاويات وقد فعل فجوابه: أن الهاء عائدة إلى مذكور متقدم، وقال ابن جني: وأنا أجيز أن تكون الهاء في قوله ربه عائدة على عدي خلافا للجماعة، ثم ذكر كلاما طويلا غير ملخص، وأقول: الأولى في تقريره أن يقال: الفعل من حيث أنه فعل كان غنيا عن المفعول لكن الفعل المتعدي لا يستغنى عن المفعول، وذلك لأن الفاعل هو المؤثر، والمفعول هو القابل، والفعل مفتقر إليهما ولا تقدم لأحدهما على الآخر، أقصى ما في الباب أن يقال إن الفاعل مؤثر، والمؤثر أشرف من القابل، فالفاعل متقدم على المفعول من هذا الوجه، لأنا بينا أن الفعل المتعدي مفتقر إلى المؤثر وإلى القابل معا وإذا ثبت هذا فكما جاز تقديم الفاعل على المفعول وجب أيضا جواز تقديم المفعول على الفاعل.
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»