تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٦١
المكتوبة ويتعوذ في قيام شهر رمضان، لنا الآية التي تلوناها، والخبر الذي رويناه، وكلاهما يفيد الوجوب، فإن لم يثبت الوجوب فلا أقل من الندب. هل يسر بالتعوذ يجهر:
المسألة الرابعة: قال الشافعي رضي الله عنه في " الأم ": روى أن عبد الله بن عمر لما قرأ أسر بالتعوذ أو وعن أبي هريرة أنه جهر به، ثم قال: فإن جهر به جاز، وإن أسر به أيضا جاز وقال في " الإملاء ": ويجهر بالتعوذ، فإن أسر لم يضر، بين أن الجهر عنده أولى، وأقول: الاستعاذة إنما تقرأ بعد الافتتاح وقبل الفاتحة، فإن ألحقناها بما قبلها لزم الإسرار، وإن ألحقناها بالفاتحة لزم الجهر، إلا أن المشابهة بينها وبين الافتتاح أتم، لكون كل واحد منهما نافلة عند الفقهاء، ولأن الجهر كيفية وجودية والإخفاء عبارة عن عدم تلك الكيفية، والأصل هو العدم.
هل يتعوذ في كل ركعة:
المسألة الخامسة: قال الشافعي رضي الله عنه في " الأم ": قيل إنه يتعوذ في كل ركعة، ثم قال: والذي أقوله إنه لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى، وأقول: له أن يحتج عليه بأن الأصل هو العدم، وما لأجله أمرنا بذكر الاستعاذة هو قوله: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) * وكلمة إذا لا تفيد العموم، ولقائل أن يقول: قد ذكرنا أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على العلية، فيلزم أن يتكرر الحكم بتكرر العلة، والله أعلم. صيغ الاستعاذة:
المسألة السادسة: أنه تعالى قال في سورة النحل: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * وقال في سورة أخرى * (إنه هو السميع العليم) * وفي سورة ثالثة * (إنه سميع عليم) * فلهذا السبب اختلف العلماء فقال الشافعي: واجب أن يقول، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو قول أبي حنيفة، قالوا: لأن هذا النظم موافق لقوله تعالى: * (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) *، وموافق أيضا لظاهر الخبر الذي رويناه عن جبير بن مطعم، وقال أحمد: الأولى أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم جمعا بين الآيتين، وقال بعض أصحابنا، الأولى أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، لأن هذا أيضا جمع بين الآيتين، وروى البيهقي في " كتاب السنن " بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثلاثا وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقال الثوري والأوزاعي: الأولى أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، وروى الضحاك عن ابن عباس أن أول ما نزل جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام قال: قل يا محمد: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال: قل (بسم الله الرحمن الرحيم * (إقرأ باسم ربك الذي خلق) * (العلق: 1).
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»