تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٥٥
إلا أثر واحد. قلنا: ذاك في الموجبات، أما في المعرفات فممنوع.
واحتج خلف بأن الفاعلية صفة قائمة بالفاعل، والمفعولية صفة قائمة بالمفعول، ولفظ الفعل مباين لهما، وتعليل الحكم بما يكون حاصلا في محل الحكم أولى من تعليله بما يكون مباينا له، وأجيب عنه بأنه معارض بوجه آخر: وهو أن الفعل أمر ظاهر، وصفة الفاعلية والمفعولية أمر خفي، وتعليل الحكم الظاهر بالمعنى الظاهر أولى من تعليله بالصفة الخفية والله أعلم. الباب السابع في إعراب الفعل إعراب الفعل:
اعلم أن قوله: (أعوذ) يقتضي إسناد الفعل إلى الفاعل، فوجب علينا أن نبحث عن هذه المسائل.
المسألة الأولى: إذا قلنا في النحو فعل وفاعل، فلا نريد به ما يذكره علماء الأصول لأنا نقول: " مات زيد " وهو لم يفعل، ونقول من طريق النحو: مات فعل، وزيد فاعله، بل المراد أن الفعل لفظة مفردة دالة على حصول المصدر لشيء غير معين في زمان غير معين، فإذا صرحنا بذلك الشيء الذي حصل المصدر له فذاك هو الفاعل، ومعلوم أن قولنا حصل المصدر له أعم من قولنا حصل بإيجاده واختياره كقولنا قام، أولا باختياره كقولنا مات، فإن قالوا: الفعل كما يحصل في الفاعل فقد يحصل في المفعول، قلنا: إن صيغة الفعل من حيث هي تقتضي حصول ذلك المصدر لشيء ما هو الفاعل، ولا تقتضي حصوله للمفعول، بدليل أن الأفعال اللازمة غنية عن المفعول.
وجوب تقديم الفعل:
المسألة الثانية: الفعل يجب تقديمه على الفاعل، لأن الفعل - إثباتا كان أو نفيا يقتضي أمرا ما يكون هو مسندا إليه، فحصول ماهية الفعل في الذهن يستلزم حصول شيء يسند الذهن ذلك الفعل إليه، والمنتقل إليه متأخر بالرتبة عن المنتقل عنه، فلما وجب كون الفعل مقدما على الفاعل في الذهن وجب تقدمه عليه في الذكر، فإن قالوا: لا نجد في العقل فرقا بين قولنا: " ضرب زيد " وبين قولنا: " زيد ضرب " قلنا: الفرق ظاهر، لأنا إذا قلنا زيد لم يلزم من وقوف الذهن على معنى هذا اللفظ أن يحكم بإسناد معنى آخر إليه، أما إذا فهمنا معنى لفظ ضرب لزم منه حكم الذهن بإسناد هذا المفهوم إلى شيء ما، إذا عرفت هذا فنقول: إذا قلنا: " ضرب زيد "
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»