تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٧٨
الإخلاص المتولد من معرفة العبودية ومعرفة الربوبية، وهو قولك إياك نعبد وإياك نستعين والباب السابع: باب الدعاء والتضرع كما قال: * (أمن يجيب المضطر إذا دعاه) * (النمل: 62) وقال: * (ادعوني أستجب لكم) * (غافر: 60) وهو ههنا قولك اهدنا الصراط المستقيم، والباب الثامن: باب الاقتداء بالأرواح الطيبة الطاهرة والاهتداء بأنوارهم، وهو قولك صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وبهذا الطريق إذا قرأت هذه السورة. ووقفت على أسرارها انفتحت لك ثمانية أبواب الجنة، وهو المراد من قوله تعالى: * (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) * (ص: 50) فجنات المعارف الربانية انفتحت أبوابها بهذه المقاليد الروحانية، فهذا هو الإشارة إلى ما حصل في الصلاة من المعراج الروحاني.
وأما المعراج الجسماني فالمرتبة الأولى أن تقوم بين يدي الله مثل قيام أصحاب الكهف، وهو قوله تعالى: * (إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض) * (الكهف: 14) بل قم قيام أهل القيامة وهو قوله تعالى: * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) * (المطففين: 6) ثم اقرأ سبحانك اللهم، وبعده وجهت وجهي، وبعده الفاتحة، وبعدها ما تيسر لك من القرآن، واجتهد في أن تنظر من الله إلى عبادتك حتى تستحقرها وإياك أن تنظر من عبادتك إلى الله، فإنك إن فعلت ذلك صرت من الهالكين، وهذا سر قوله: * (إياك نعبد وإياك نستعين) *.
واعلم أن النفس الآن جارية مجرى خشبة عرضتها على نار خوف الجلال فلانت، فاجعلها محنية بالركوع فقل: سمع الله لمن حمده، ثم اتركها لتستقيم مرة أخرى، فإن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى فإذا عادت إلى استقامتها فانحدر إلى الأرض بنهاية التواضع واذكر ربك بغاية العلو، وقل: سبحان ربي الأعلى، فإذا أتيت بالسجدة الثانية فقد حصل لك ثلاثة أنواع من الطاعة: الركوع الواحد، والسجودان، وبها تنجو من العقبات الثلاث المهلكة، فبالركوع تنجو عن عقبة الشهوات، وبالسجود الأول تنجو عن عقبة الغضب الذي هو رئيس المؤذيات، وبالسجود الثاني تنجو عن عقبة الهوى الذي هو الداعي إلى كل المهلكات والمضلات، فإذا تجاوزت هذه العقبات وتخلصت عن هذه الدركات فقد وصلت إلى الدرجات العاليات، وملكت الباقيات الصالحات، وانتهيت إلى عتبة جلال مدبر الأرض والسماوات، فقل عند ذلك التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، فالتحيات المباركات باللسان، والصلوات بالأركان، والطيبات بالجنان وقوة الإيمان، ثم في هذا المقام يصعد نور روحك وينزل نور روح محمد صلى الله
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»