واعلم أنه يمكن الجواب عنه من وجوه، كل واحد من تلك الوجوه يدل على حكمة بالغة:
فالوجه الأول: أن المراد من هذه النون نون الجمع وهو تنبيه على أن الأولى بالانسان أن يؤدى الصلاة بالجماعة، واعلم أن فائدة الصلاة بالجماعة معلومة في موضعها، ويدل عليه قوله عليه السلام:
التكبيرة الأولى في صلاة الجماعة خير من الدنيا وما فيها، ثم نقول: ان الانسان لو أكل الثوم أو البصل فليس له أن يحضر الجماعة لئلا يتأذى منه انسان فكأنه تعالى يقول: هذه الطاعة التي لها هذا الثواب العظيم لا بقى ثوابها بأن يتأذى واحد من المسلمين برائحة الثوم والبصل، فإذا كان هذا الثواب لا بقى بذلك فكيف بقى بايذاء المسلم وكيف بقى بالتميمة والغيبة والسعاية.
الوجه الثاني: أن الرجل إذا كان يصلى بالجماعة فيقول نعبد، والمراد منه ذلك الجمع، وان كان يصلى وحده كان المراد انى أعبدك والملائكة معي في العبادة. فكان المراد بقوله نعبد هو وجميع الملائكة الذين يعبدون الله.
الوجه الثالث: أن المؤمنين اخوة فلو قال إياك أعبد لكان قد ذكر عباده نفسه ولم يذكر عبادة ير، أما لما قال إياك نعبد كان قد ذكر عبادة نفسه وعبادة جميع المؤمنين شرقا وغربا فكان سعة في إصلاح مهمات سائر المؤمنين، وإذا فعل ذلك قضى الله مهماته لقوله عليه السلام من قضى لمسلم حاجة قضى الله له جميع حاجاته.
الوجه الرابع: كأنه تعالى قال للعبد لما أثنيت علينا بقولك الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وفوضت إلينا جميع محامد الدنيا والآخرة فقد عظم قدرك عندنا وتمكنت منزلتك في حضرتنا، فلا تقتصر على إصلاح مهماتك وحدك، ولكن أصلح حوائج جميع المسلمين فقل إياك نعبد وإياك نستعين.
الوجه الخامس: كأن العبد يقول: إلهي ما بلغت عبادتي إلى حيث أستحق أن أذكرها وحدها: لأنها ممزوجة بجهات التقصير، ولكني أخطها بعبادات جميع العابدين، وأذكر الكل بعبارة واحدة وأقول إياك نعبد.
وههنا مسئلة شرعية، وهي أن الرجل إذا باع من غيره عشرة من العبيد فالمشتري إما أن يقبل الكل، أولا يقبل واحدا منها، وليس له أن يقبل البعض دون البعض في تلك الصفقة بكرمه أن يميز البعض عن البعض ويقبل البعض دون البعض، فاما أن يرد الكل وهو غير