اتخذوا الشركاء من الأجسام النباتية فهم الذين اتخذوا شجرة معينة معبودا لأنفسهم، وأما الذين اتخذوا الشركاء من الحيوان فهم الذين اتخذوا العجل معبودا لأنفسهم، وأما الذين اتخذوا الشركاء من الناس فهم الذين قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله، وأما الذين اتخذوا الشركاء من الأجسام البسيطة فهم الذين يعبدون النار وهم المجوس، وأما الذين اتخذوا الشركاء من الأجسام العلوية فهم الذين يعبدون الشمس والقمر وسائر الكواكب ويضيفون السعادة والنحوسة إليها وهم الصابئة وأكثر المنجمين، وأما الذين اتخذوا الشركاء لله من غير الأجسام فهم أيضا طوائف: الطائفة الأولى: الذين قالوا مدبر العالم هو النور والظلمة، وهؤلاء هم المانوية والثنوية. والطائفة الثانية: هم الذين قالوا: الملائكة عبارة عن الأرواح الفلكية ولكل إقليم روح معين من الأرواح الفلكية يدبره ولكل نوع من أنواع هذا العالم روح فلكي يدبره ويتخذون لتلك الأرواح صورا وتماثيل ويعبدونها وهؤلاء هم عبدة الملائكة؛ والطائفة الثالثة: الذين قالوا للعالم إلهان: أحدهما: خير، والآخر شرير، وقالوا: مدبر هذا العالم هو الله تعالى وإبليس، وهما أخوان، فكل ما في العالم من الخيرات فهو من الله وكل ما فيه من الشر فهو من إبليس.
إذا عرفت هذه التفاصيل فنقول: كل ما اتخذ لله شريكا فإنه لا بد وأن يكون مقدما على عبادة ذلك الشريك من بعض الوجوه، إما طلبا لنفعه أو هربا من ضرره، وأما الذين أصروا على التوحيد وأبطلوا القول بالشركاء والأضداد ولم يعبدوا إلا الله ولم الله ولم يلتفتوا إلى غير الله فكان رجاؤهم من الله وخوفهم من الله ورغبتهم في الله ورهبتهم من الله فلا جرم لم يعبدوا إلا الله ولم يستعينوا إلا بالله؛ فلهذا قالوا: إياك نعبد وإياك نستعين، فكان قوله: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * قائما مقام قوله: * (لا إله إلا الله) *.
واعلم أن الذكر المشهور هو أن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد دللنا على أن قولنا الحمد لله يدخل فيه معنى قولنا سبحان الله لأن قوله سبحانه الله يدل على كونه كاملا تاما في ذاته، وقوله الحمد لله يدل على كونه مكملا متمما لغيره، والشيء لا يكون مكملا متمما لغيره إلا إذا كان قبل ذلك تاما كاملا في ذاته، فثبت أن قولنا الحمد لله دخل فيه معنى قولنا سبحان الله ولما قال الحمد لله فأثبت جميع أنواع الحمد ذكر ما يجري مجرى العلة لإثبات جميع أنواع الحمد لله، فوصفه بالصفات الخمس وهي التي لأجلها تتم مصالح العبد في الأوقات الثلاثة على ما بيناه، ولما بين ذلك ثبت صحة قولنا سبحان الله والحمد لله ثم ذكر بعده قوله إياك نعبد، وقد دللنا على أنه قائم مقام لا إله إلا الله ثم ذكر قوله