تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٩٢
التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها "، قالوا: نعم، قال: " فما تقرؤن في صلاتكم؟ " قالوا: الحمد لله رب العالمين، فقال: " هي هي "، وجه الدليل أنه عليه الصلاة والسلام لما قال: ما تقرؤن في صلاتكم فقالوا: الحمد لله، وهذا يدل على أنه كان مشهورا عند الصحابة أنه لا يصلي أحد إلا بهذه السورة، فكان هذا إجماعا معلوما عندهم.
الحجة الحادية عشرة: التمسك بقوله تعالى: * (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * (المزمل: 20) وجه الدليل أن قوله " فاقرؤا " أمر، والأمر للوجوب، فهذا يقتضي أن قراءة ما تيسر من القرآن واجبة، فنقول: المراد بما تيسر من القرآن إما أن يكون هو الفاتحة أو غير الفاتحة، أو المراد التخيير بين الفاتحة وبين غيرها والأول: يقتضي أن تكون الفاتحة بعينها واجبة، وهو المطلوب، والثاني: يقتضي أن تكون قراءة غير الفاتحة واجبة علينا، وهو باطل بالإجماع، والثالث: يقتضي أن يكون المكلف مخيرا بين قراءة الفاتحة وبين قراءة غيرها، وذلك باطل بالإجماع، لأن الأمة مجمعة على أن قراءة الفاتحة أولى من قراءة غيرها، وسلم أبو حنيفة أن الصلاة بدون قراءة الفاتحة خداج ناقص، والتخيير بين الناقص والكامل لا يجوز.
واعلم أنه تعالى إنما سمى قراءة الفاتحة قراءة لما تيسر من القرآن لأن هذه السورة محفوظة لجميع المكلفين من المسلمين فهي متيسرة للكل، وأما سائر السور فقد تكون محفوظة وقد لا تكون، وحينئذ لا تكون متيسرة للكل.
الحجة الثانية عشرة: الأمر بالصلاة كان ثابتا، والأصل في الثابت البقاء، خالفنا هذا الأصل عند الإتيان بها للصلاة المشتملة على قراءة الفاتحة، لأن الأخبار دالة على أن سورة الفاتحة أفضل من سائر السور، ولأن المسلمين أطبقوا على أن الصلاة مع قراءة هذه السورة أكمل من الصلاة الخالية عن قراءة هذه السورة، فعند عدم قراءة هذه السورة وجب البقاء على الأصل.
الحجة الثالثة عشرة: قراءة الفاتحة توجب الخروج عن العهدة باليقين، فكانت أحوط فوجب القول بوجوبها للنص والمعقول، أما النص فقوله عليه الصلاة والسلام: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "، وأما المعقول فهو أنه يفيد دفع ضرر الخوف عن النفس، ودفع الضرر عن النفس واجب؛ فإن قالوا: فلو اعتقدنا الوجوب لاحتمل كوننا مخطئين فيه، فيبقى الخوف، قلت: اعتقاد الوجوب يورث الخوف المحتمل، واعتقاد عدم الوجوب يورثه أيضا فيتقابل هذان الضرران، وأما في العمل فإن القراءة لا توجب الخوف، أما تركه فيفيد
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»