تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٨٨
أعبد غيرك، وأما الآن فلا أعبد أحدا سواك، ولما كان يستعين في تحصيل المهمات بالأمير والوزير فلأن يستعين بالمعبود الحق في تحصيل المرادات كان أولى، فيقول: وإياك نستعين والمعنى: إني كنت قبل هذا أستعين بغيرك وأما الآن فلا أستعين بأحد سواك، ولما كان يطلب المال والجاه اللذين هما على شفا حفرة الانقراض والانقضاء من الأمير والوزير فلأن يطلب الهداية والمعرفة من رب السماء والأرض أولى، فيقول: * (إهدنا الصراط المستقيم) *، ثم إن أهل الدنيا فريقان: أحدهما: الذين لا يعبدون أحدا إلا الله ولا يستعينون إلا بالله ولا يطلبون الأغراض والمقاصد إلا من الله، والفرقة الثانية، الذين يخدمون الخلق ويستعينوا بهم ويطلبون الخير منهم، فلا جرم العبد يقول: إلهي اجعلني في زمرة الفرقة الأولى، وهم الذين أنعمت عليهم بهذه الأنوار الربانية والجلايا النورانية، ولا تجعلني في زمرة الفرقة الثانية وهم المغضوب عليهم والضالون، فإن متابعة هذه الفرقة لا تفيد إلا الخسار والهلاك كما قال إبراهيم عليه السلام: لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا؟ والله أعلم. الباب الرابع في المسائل الفقهية المستنبطة من هذه السورة فقه الفاتحة:
المسألة الأولى: أجمع الأكثرون على أن القراءة واجبة في الصلاة، وعن الأصم والحسن بن صالح أنها لا تجب.
لنا أن كل دليل نذكره في بيان أن قراءة الفاتحة واجبة فهو يدل على أن أصل القراءة واجب وتزيد ههنا وجوها: - الأول: قوله تعالى: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر) * (الإسراء: 78) والمراد بالقرآن القراءة، والتقدير: أقم قراءة الفجر، وظاهر الأمر للوجوب.
الثاني: عن أبي الدرداء أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفي الصلاة قراءة فقال: نعم، فقال السائل: وجبت، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل على قوله وجبت.
الثالث: عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أيقرأ في الصلاة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أتكون صلاة بغير قراءة، وهذان الخبران نقلتهما من " تعليق الشيخ أبي حامد الإسفرايني ".
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»