تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ١٩١
فقولهم إنه لا يمكن إدخال حرف النفي على مسمى الصلاة إنما يصح لو ثبت أن الفاتحة ليست جزأ من الصلاة، وهذا هو أول المسألة، فثبت أن على قولنا يمكن إجراء هذا اللفظ على ظاهره. الثالث: هب أنه لا يمكن إجراء هذا اللفظ على ظاهره، إلا أنهم أجمعوا على أنه متى تعذر العمل بالحقيقة وحصل للحقيقة مجازان: أحدهما: أقرب إلى الحقيقة. والثاني: أبعد فإنه يجب حمل اللفظ على المجاز الأقرب، إذا ثبت هذا فنقول: المشابهة بين المعدوم وبين الموجود الذي لا يكون صحيحا أتم من المشابهة بين المعدوم وبين الموجود الذي يكون صحيحا لكنه لا يكون كاملا، فكان حمل اللفظ على نفي الصحة أولى. الوجه الرابع: أن الحمل على نفي الصحة أولى لوجوه: أحدها: أن الأصل إبقاء ما كان على ما كان، والثاني: أن جانب الحرمة راجح، والثالث: أن هذا أحوط.
الحجة السابعة: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، غير تمام، قالوا: الخداج هو النقصان، وذلك لا يدل على عدم الجواز، قلنا: بل هذا يدل على عدم الجواز؛ لأن التكليف بالصلاة قائم، والأصل في الثابت البقاء، خالفنا هذا الأصل عند الإتيان بالصلاة على صفة الكمال، فعند الإتيان بها على سبيل النقصان وجب أن لا نخرج عن العهدة، والذي يقوي هذا أن عند أبي حنيفة يصح الصوم في يوم العيد إلا أنه لو صام يوم العيد قضاء عن رمضان لم يصح، قال: لأن الواجب عليه هو الصوم الكامل، والصوم في هذا اليوم ناقص، فوجب أن لا يفيد هذا القضاء الخروج عن العهدة، وإذا ثبت هذا فنقول: فلم لم يقل بمثل هذا الكلام في هذا المقام.
الحجة الثامنة: نقل الشيخ أبو حامد في " تعليقه " عن ابن المنذر أنه روى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ".
والحجة التاسعة: روى رفاعة بن مالك أن رجلا دخل المسجد وصلى، فلما فرغ من صلاته وذكر الخبر إلى أن قال الرجل: علمني الصلاة يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: " إذا توجهت إلى القبلة فكبر، واقرأ بفاتحة الكتاب "، وجه الدليل أن هذا أمر، والأمر للوجوب، وأيضا الرجل قال: علمني الصلاة، فكل ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم وجب أن يكون من الصلاة، فلما ذكر قراءة الفاتحة وجب أن تكون قراءة الفاتحة جزأ من أجزاء الصلاة.
الحجة العاشرة: روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " ألا أخبركم بسورة ليس في
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»