المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٨١
قوله عز وجل سورة الفجر 23 - 30 روي في قوله تعالى " وجئ يومئذ بجهنم " انها تساق إلى الحشر بسبعين ألف زمام يمسك كل زمام سبعون ألف ملك فيخرج منها عنق فينتقي الجبابرة من الكفار في حديث طويل مختلف الألفاظ و (جهنم) هنا هي النار بجملتها وروي انه لما نزلت " وجئ يومئذ بجهنم " تغير لون النبي صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى * (يتذكر الإنسان) * معناه يتذكر عصيانه وطغيانه وينظر ما فاته من العمل الصالح ثم قال تعالى * (وأنى له الذكرى) * ثم ذكر عنه انه يقول * (يا ليتني قدمت لحياتي) * واختلف في معنى قوله * (لحياتي) * فقال جمهور المتأولين معناه * (لحياتي) * الباقية يريد في الآخرة وقال قوم في المتأولين المعنى * (لحياتي) * في قبري عند بعثي الذي كنت اكذب به واعتقد اني لن أعود حيا وقال آخرون * (لحياتي) * هنا مجاز أي * (ليتني قدمت) * عملا صالحا لأنعم به اليوم وأحيا حياة طيبة فهذا كما يقول الانسان أحييني في هذا الأمر وقال بعض المتأولين لوقت أو لمدة حياتي الماضية في الدنيا وهذا كما تقول جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا ونحوه وقرأ جمهور القراء وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبو عبد الرحمن (يعذب) و (يوثق) بكسر الذال الثاء وعلى هذه القراءة فالضمير عائد في عذابه ووثاقة لله تعالى والمصدر مضاف إلى الفاعل ولذلك معنيان أحدهما ان الله تعالى لا يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد والآخر ان عذابه من الشدة في حيز لم يعذب قط أحد بمثله ويحتمل ان يكون الضمير للكافر والمصدر مضاف إلى المفعول وقرا الكسائي وابن سيرين وابن أبي إسحاق وسوار القاضي (يعذب) و (يوثق) بفتح الذال والثاء ورويت كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم فالضميران على هذا للكافر الذي هو بمنزلة جنسه كله والمصدر مضاف إلى المفعول ووضع عذاب موضع تعذيب كما قال القرطبي (وبعض عطائك المائة الرتاعا *) الوافر ويحتمل ان يكون الضميران في هذه القراءة لله تعالى كأنه قال لا يعذب أحد قط في الدنيا عذاب الله للكفار فالمصدر مضاف إلى الفاعل وفي هذا التأويل تحامل وقرا الخليل بن أحمد (وثاقه) بكسر الواو ولما فرغ ذكر هؤلاء المعذبين عقب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال * (يا أيتها النفس المطمئنة) * الآية و * (المطمئنة) * معناه الموقنة غاية اليقين الا ترى ان إبراهيم عليه السلام قال * (ولكن ليطمئن قلبي) * البقرة 260 فهي درجة زائدة على الايمان وهي ان لا يبقى على النفس في يقينها مطلب يحركها إلى تحصيله واختلف الناس في هذا النداء متى يقع فقال ابن زيد وغيره هو عند خروج نفس المؤمن من جسده في الدنيا وروي ان أبا بكر الصديق سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له (إن الملك سيقولها لك يا أبا بكر عند موتك) ومعنى * (ارجعي إلى ربك) * على هذا التأويل * (ارجعي) * بالموت وقال وقوله * (في عبادي) * أي في اعداد عبادي الصالحين وهذه قراءة الجمهور
(٤٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 476 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 ... » »»