المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٨٥
قوله عز وجل سورة البلد 11 - 20 في هذه الآية على عرف كلام العرب استعارة لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال تشبيه بعقبة الجبل وهي ما صعب منه وكان صعودا و * (اقتحم) * معناه دخلها وجاوزها بسرعة وضغط وشدة واما المفسرون فرأوا ان * (العقبة) * يراد بها جبل في جهنم لا ينجي منه الا هذه الأعمال ونحوها قاله ابن عباس وقتادة وقال الحسن * (العقبة) * جهنم قال هو وقتادة فاقتحموها بطاعة الله وفي الحديث إن اقتحامها للمؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء واختلف الناس في قوله * (فلا) * فقال جمهور المتأولين هو تحضيض بمعنى * (فالآ) * وقال آخرون وهو دعاء بمعنى انه ممن يستحق ان يدعى عليه بان لا يفعل خيرا وقيل هي نفي أي (فما اقتحم) وقال أبو عبيدة والزجاج وهذا نحو قوله تعالى * (فلا صدق ولا صلى) * القيامة 31 فهو نفي محض كأنه قال وهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل فما فعل خيرا ثم عظم الله تعالى امر العقبة في النفوس بقوله * (وما أدراك ما العقبة) * ثم فسر اقتحام العقبة بقوله * (فك رقبة) * وذلك أن التقدير وما ادراك ما اقتحام العقبة هذا على قراءة من قرا (فك رقبة) بالرفع على المصدر واما من قرا (فك) على الفعل الماضي ونصب الرقبة فليس يحتاج ان يقدر * (وما أدراك) * ما اقتحام بل يكون التعظيم للعقبة نفسها ويجيء (فك) بدلا من * (اقتحم) * ومبينا وقرا نافع وعاصم وابن عامر وحمزة (فك رقبة أو اطعام) وقرا أبو عمرو (فك رقبة) بالنصب (أو أطعم) وقرا بعض التابعين (فك رقبة) بالخفض وقرا ابن كثير وأبو عمرو أيضا والكسائي (فك رقبة) بالنصب (أو اطعام) وترتيب هذه القراءات ووجوهها بينة وفك الرقبة معناه بالعتق من ربقة الأسر أو الرق وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (من أعتق نسمة مؤمنة اعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار) وقال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم دلني على عمل انجو به فقال (لئن قصرت القول لقد عرضت المسألة فك رقبة وأعتق النسمة) فقال الأعرابي أليس هما واحدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا عتق النسمة ان تنفرد بعتقها وفك الرقبة ان تعين في ثمنها) قال القاضي أبو محمد وكذلك فك الأسير إن شاء الله وفداؤه ان ينفرد الفادي به ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي (وأبق على ذي الرحم الظالم فإن لم تطق هذا كله فكف لسانك الا من خير) و (المسبغة) المجاعة والساغب الجائع وقرا جمهور الناس (ذي مسغبة) على نعت * (يوم) * وقرا علي بن أبي طالب والحسن وأبو رجاء (ذا مسغبة) على أن يعمل فيها (أطعم) أو (إطعام) على القراءتين المذكورتين وفي هذا حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه لأن التقدير انسانا ذا مسغبة ووصفت الصفة لما قامت مقام موصوفها المحذوف وأشبهت الأسماء و (المسغبة) الجوع العام وقد
(٤٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 ... » »»