المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٧٩
(صببنا عليها ظالمين سياطنا * فطارت بها أيد سراع وأرجل) وإنما خص (السوط) بان يستعار للعذاب لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره وقال بعض اللغويين (السوط ) هنا مصدر من ساط يسوط إذا اختلط فكأنه قال خلط عذاب (والمرصاد) موضع الرصد قاله اللغويون أي أنه عند لسان كل قائل ومرصد لكل فاعل وعلى هذا التأويل في المرصاد جواب عامر بن عبد قيس لعثمان حين قال له أين ربك يا أعرابي قال بالمرصاد ويحتمل ان يكون (المرصاد) في الآية اسم فاعل كأنه قال لبالراصد فعبر بالمبالغة وروي في بعض الحديث ان على جسر جهنم ثلاث قناطر على إحداهما الأمانة وعلى إحداهما الرحم وعلى الأخيرة الرب تبارك وتعالى فذلك قوله * (لبالمرصاد) * قوله عز وجل سورة الفجر 15 - 22 ذكر الله تعالى في هذه الآية ما كانت قريش تقوله تستدل به على إكرام الله تعالى وإهانته لعبده وذلك انهم كانوا يرون أن من عنده الغنى والثروة والأولاد فهو المكرم وبضده المهان ومن حيث كان هذا المقطع غالبا على كثيرين من الكفار جاء التوبيخ في هذه الآية لاسم الجنس إذ يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا المنزع ومن ذلك حديث الأعراب الذين كانوا يقدمون المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فمن نال خيرا قال هذا دين حسن ومن ناله شر قال هذا دين سوء و * (ابتلاه) * معناه اختبره و * (نعمة) * معناه جعله ذا نعمة وقرا ابن كثير (أكرمني) بالياء في وصل ووقف وحذفها عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في الوجهين وقرا نافع بالياء في الوصل وحذفها في الوقف وكذلك (أهانني) وخير في الوجهين أبو عمرو وقرا جمهور الناس (فقدر) بتخفيف الدال بمعنى ضيق وقرا الحسن بخلاف وأبو جعفر وعيسى (قدر) بمعنى جعله على قدر وهما بمعنى واحد في معنى التضييق لأنه ضعف قدر مبالغة لا تعدية ويقتضي ذلك قول الإنسان " أهانني " لأن (قدر) معدى إنما معناه أعطاه ما يكفيه ولا إهانة مع ذلك ثم قال تعالى * (كلا) * ردا على قولهم ومعتقدهم أي ليس إكرام الله تعالى واهانته في ذلك وإنما ذلك ابتلاء فحق من ابتلي بالغني ان يشكر ويطيع ومن ابتلي بالفقر أن يشكر ويصبر وأما إكرام الله تعالى فهو بالتقوى وإهانته فبالمعصية ثم أخبرهم أعمالهم من أنهم لا يكرمون اليتيم وهو من بني آدم الذي فقد أباه وكان غير بالغ ومن البهائم ما فقد أمه وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم) وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (يحضون) بمعنى يحض بعضهم بعضا أو
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 484 ... » »»