المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٤٢
ووهب وابن زيد معناه أضرمت نارا كما يسجر التنور وقال ابن عباس جهنم في البحر الأخضر ويحتمل ان يكون المعنى ملكت وقيد اضطرابها حتى لا تخرج على الأرض بسبب الهول فتكون اللفظة مأخوذة من ساجور الكلب وقيل هذه مجاز في جهنم تسجر يوم القيامة وقد تقدم نظير هذه الأقوال منصوصة لأهل العلم في تفسير قوله تعالى * (والبحر المسجور) * الطور 6 وقرا ابن كثير وأبو عمرو (سجرت) بتخفيف الجيم وقرا الباقون بشدها وهي مترجحة بكون البحار جميعا كما قال * (كتابا يلقاه منشورا) * الإسراء 13 وكما قال * (صحفا منشرة) * المدثر 52 ومثله * (قصر مشيد) * الحج 45 و * (بروج مشيدة) * النساء 78 لأنها جماعة وذهب قوم من الملحدين إلى أن هذه الأشياء المذكورة استعارات في كل ابن آدم وأحواله عند موته والشمس نفسه والنجوم عيناه وحواسه والعشار ساقاه وهذا قول سوء وخيم غث ذاهب إلى اثبات الرموز في كتاب الله تعالى و (تزويج النفوس) هو تنويعها لأن الأزواج هي الأنواع والمعنى جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن وكل شكل مع شكله رواه النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم وقاله عمر بن الخطاب وابن عباس وقال هذا نظير قوله تعالى * (وكنتم أزواجا ثلاثة) * الواقعة 7 وفي الآية على هذا حض على خليل الخبر فقد قال عليه السلام (المرء مع من أحب) وقال (فلينظر أحدكم من يخالل) وقال الله تعالى * (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) * الزخرف 67 وقال مقاتل بن سليمان زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهم من الحور وغيرهن وقال عكرمة والضحاك والشعبي زوجت الأرواح الأجساد وقرا عاصم (زوجت) غير مدغم و " الموءودة " اسم معناه المثقل عليها ومنه * (ولا يؤوده) * البقرة 255 ومنه أتأد أي توقد وأثقل وعرف هذا الاسم في البنات اللواتي كان قوم من العرب يدفنونهن احياء يحفر الرجل شبه البر أو القبر ثم يسوق ابنته فيلقيها فيها وإذا كانت صغيرة جدا خد لها في الأرض ودفنها وبعضهم كان يفعل ذلك خشية الإملاق وعدم المال وبعضهم غيرة وكراهية للبنات وجهالة وقرا الجمهور (الموءودة) بالهمز من وأد في حرف ابن مسعود (وإذا الماودة) وقرا البزي (الموودة) بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة وقرأ الأعمش المودة بسكون الواو على وزن الفعلة وقرأ بعض السلف المودة بفتح الواو والدال المشددة جعل البنت مودة وقرا جمهور الناس (سئلت) وهذا على جهة التوبيخ للعرب الفاعلين ذلك لأنها تسأل ليصير الامر إلى سؤال الفاعل ويحتمل أن تكون مسؤولة عنها مطلوبا الجواب منهم كما قال تعالى * (إن العهد كان مسؤولا) * الاسراء 34 وكما يسأل التراث والحقوق وقرا ابن عباس وأبي بن كعب وجابر بن زيد وأبو الضحى ومجاهد وجماعة كثيرة منهم ابن مسعود والربيع بن خيثم (سألت) ثم اختلف هؤلاء فقرا أكثرهم (قتلت) بفتح التاء وسكون اللام وقرا أبو جعفر (قتلت) بشد التاء على المبالغة وقرأ ابن عباس وجابر وأبو الضحى ومجاهد (قتلت) بسكون اللام وضم التاء وقرا الأعرج والحسن (سيلت) بكسر السين وفتح اللام دون همز واستدل ابن عباس بهذه الآية في أن أولاد المشركين في الجنة لأن الله تعالى قد انتصر لهم من ظلمهم و (الصحف المنشورة) قيل هي صحف الأعمال تنشر ليقرأ كل امرئ كتابه وقيل هي
(٤٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 ... » »»