وليس هو للقوم ذوي الحرث لأنهم لم يذكروا ليرد عليهم ولا ليبين ظلمهم وأيضا فقوله * (ولكن أنفسهم يظلمون) * يدل على فعل الحال في حاضرين سورة آل عمران 118 نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن أن يتخذوا من الكفار واليهود أخلاء يأنسون بهم في الباطن من أمورهم ويفاوضونهم في الآراء ويستنيمون إليهم وقوله * (من دونكم) * يعني من دون المؤمنين ولفظة دون تقتضي فيما أضيف إليه أنه معدوم من القصة التي فيها الكلام فشبه الأخلاء بما يلي بطن الإنسان من ثوبه ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (ما من خليفة ولا ذي إمرة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله) وقوله * (لا يألونكم خبالا) * معناه لا يقصرون لكم فيما فيه الفساد عليكم تقول ما ألوت في كذا أي ما قصرت بل اجتهدت ومنه قول زهير (جرى بعدهم قوم لكي يلحقوهم * فلم يلحقوا ولم يليموا ولم يألوا) أي لم يقصروا والخبل والخبال الفساد وقال ابن عباس كان رجال من المؤمنين يواصلون رجالا من اليهود للجوار والحلف الذي كان بينهم في الجاهلية فنزلت الآية في ذلك وقال أيضا ابن عباس وقتادة والربيع والسدي نزلت في المنافقين نهى الله المؤمنين عنهم وروى أنس بن مالك أن سول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم عربيا) فسره الحسن بن أبي الحسن فقال أراد صلى الله عليه وسلم لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم ولا تنقشوا في خواتيمكم محمدا قال القاضي ويدخل في هذه الآية استكتاب أهل الذمة وتصريفهم في البيع والشراء والاستنامة إليهم وروي أن أبا موسى الأشعري استكتب ذميا فكتب إليه عمر يعنفه وتلا عليه هذه الآية وقيل لعمر إن هاهنا رجلا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه ولا خط بقلم أفلا يكتب عنك فقال إذا أتخذ بطانة من دون المؤمنين و " ما " في قوله * (ما عنتم) * مصدرية فالمعنى * (ودوا) * عنتكم والعنت المشقة والكروه يلقاه المرء وعقبة عنوت أي شاقة وقوله تعالى * (ذلك لمن خشي العنت) * النساء 35 معناه المشقة إما في الزنا وإما في ملك الإرب أنه قال السدي معناه ودوا ما ضللتم وقال ابن جريج المعنى ودوا أن تعنتوا في دينكم ويقال عنت الرجل يعنت بكسر النون في الماضي وقوله تعالى * (قد بدت البغضاء من أفواههم) * يعني بالأقوال فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه وخص تعالى الأفواه بالذكر دون الألسنة إشارة إلى شدقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه ويشبه هذا الذي قلناه ما في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتشحى الرجل في عرض أخيه معناه أن يفتح فاه به يقال شحى الحمار فاه
(٤٩٦)