المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٨٤
قال القاضي أبو محمد وقيل غير هذا مما هو كله قريب بعضه من بعض وقوله تعالى * (جميعا) * حال من الضمير في قوله * (اعتصموا) * فالمعنى كونوا في اعتصامكم مجتمعين " وولا تفرقوا " يريد التفرق الذي لا يتأتى معه الائتلاف على الجهاد وحماية الدين وكلمة الله تعالى وهذا هو الافتراق بالفتن والافتراق في العقائد وأما الافتراق في مسائل الفروع والفقه فليس يدخل في هذه الآية بل ذلك هو الذي أنه قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (خلاف أمتي رحمة) وقد اختلف الصحابة في الفروع أشد اختلاف وهم يد واحدة على كل كافر وأما الفتنة على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فمن التفرق المنهي عنه أما أن التأويل هو الذي أدخل في ذلك أكثر من دخله من الصحابة رضي الله عن جميعهم سورة آل عمران 103 هذه الآية تدل على أن الخطاب بهذه الآية إنما هو للأوس والخزرج وذلك أن العرب وإن كان هذا اللفظ يصلح في جميعها فإنها لم تكن في وقت نزول هذه الآية اجتمعت على الإسلام ولا تألفت قلوبها وإنما كانت في قصة شاس بن قيس في صدر الهجرة وحينئذ نزلت هذه الآية فهي في الأوس والخزرج كانت بينهم عداوة وحروب منها يوم بعاث وغيره وكانت تلك الحروب والعداوة قد دامت بين الحيين مائة وعشرين سنة حتى رفعها الله بالإسلام فجاء النفر الستة من الأنصار إلى مكة حجاجا فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه عليهم وتلا عليهم القرآن كما كان يصنع مع قبائل العرب فآمنوا به وأراد الخروج معهم فقالوا يا رسول الله إن قدمت بلادنا على ما بيننا من العداوة والحرب خفنا أن لا يتم ما نريده منك ولكن نمضي نحن ونشيع أمرك ونداخل الناس وموعدنا وإياك العام القابل فمضوا وفعلوا وجاءت الأنصار في العام القابل فكانت العقبة الثانية وكانوا اثني عشر رجلا فيهم خمسة من الستة الأولين ثم جاؤوا من العام الثالث فكانت بيعة العقبة الكبرى حضرها سبعون وفيهم اثنا عشر نقيبا ووصف هذه القصة مستوعب في سيرة ابن هشام ويسر الله تعالى الأنصار للإسلام بوجهين أحدهما أن بني إسرائيل كانوا مجاورين لهم وكانوا يقولون لمن يتوعدونه من العرب يبعث لنا نبي الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما رأى النفر من الأنصار محمدا صلى الله عليه وسلم أنه قال بعضهم لبعض هذا والله النبي الذي تذكره بنو إسرائيل فلا تسبقن إليه والوجه الآخر الحرب التي كانت ضربتهم وأفنت سراتهم فرجوا أن يجمع الله به كلمتهم كالذي كان فعدد الله تعالى عليهم نعمته في تأليفهم بعد العداوة وذكرهم بها وقوله تعالى * (فأصبحتم) * عبارة عن الاستمرار وإن كانت اللفظة مخصوصة بوقت ما وإنما خصت هذه اللفظة بهذا المعنى من حيث هي مبدأ النهار وفيها مبدأ الأعمال فالحال التي يحسها المرء من نفسه فيها هي حاله التي يستمر عليها يومه في الأغلب ومنه قول الربيع بن ضبع (أصبحت لا أحمل السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا) المنسرح
(٤٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 ... » »»