المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٤٧٣
والله تعالى يقول في كتابه * (إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * فضحك ابن عباس وقال وما يدرك ما حرم إسرائيل ثم أقبل على القوم يحدثهم فقال إن إسرائيل عرضت له الأنساء فأضنته فجعل لله أن شفاه من ذلك أن لا يطعم عرقا أنه قال فلذلك اليهود تنزع العروق من اللحم وقال بمثل هذا القول قتادة وأبو مجلز وغيرهم وقال ابن عباس والحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن كثير ومجاهد أيضا إن الذي حرم إسرائيل هو لحوم الإبل وألبانها ولم يختلف فيما علمت أن سبب التحريم هو بمرض أصابه فجعل تحريم ذلك شكرا لله تعالى إن شفي وقيل هو وجع عرق النسا وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عصابة من بني إسرائيل قالوا له يا محمد ما الذي حرم إسرائيل على نفسه فقال لهم أنشدكم بالله هل تعلمون أن يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه فنذر لله نذرا إن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وألبانها قالوا اللهم نعم وظاهر الأحاديث والتفاسير في هذه أمر أن يعقوب عليه السلام حرم لحوم الإبل وألبانها وهو يحبها تقربا إلى الله بذلك إذ ترك الترفه والتنعم من القرب وهذا هو الزهد في الدنيا وإليه نحا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر ومن ذلك قول أبي حازم الزاهد وقد مر بسوق الفاكهة فرأى محاسنها فقال موعدك الجنة إن شاء الله وحرم يعقوب عليه السلام أيضا العروق لكن بغضة لها لما كان امتحن بها وهذا شيء يعتري نفوس البشر في غير ما شيء وليس في تحريم العروق قربة فيما يظهر والله أعلم وقد روي عن ابن عباس أن يعقوب حرم العروق ولحوم الإبل وأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالإتيان بالتوراة حتى يبين منها كيف الأمر المعنى فإنه أيها اليهود كما أنزل الله علي لا كما تدعون أنتم أنه قال الزجاج وفي هذا تعجيز لهم وإقامة الحجة عليهم وهي كقصة المباهلة مع نصارى نجران سورة آل عمران 94 - 96 قوله * (فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك) * تحتمل الإشارة بذلك أن تكون إلى ثلاثة أشياء أحدها أن تكون إلى التلاوة إذ مضمنها بيان المذهب وقيام الحجة أي فمن كذب منا على الله تعالى أو نسب إلى كتب الله ما ليس فيها فهو ظالم واضع الشيء غير موضعه والآخر أن تكون الإشارة إلى استقرار التحريم في التوراة لأن معنى الآية * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * آل عمران 93 ثم حرمته التوراة عليهم عقوبة لهم * (فمن افترى على الله الكذب) * وزاد في المحرمات فهو الظالم والثالث أن تكون الإشارة إلى الحال بعد تحريم إسرائيل على نفسه وقبل نزول التوراة أي من تسنن بيعقوب وشرع ذلك دون إذن من الله ومن حرم شيئا ونسبه إلى ملة إبراهيم فهو
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»