الإيمان إنما هو في الخواطر الجارية التي لا تثبت) وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر وذلك هو المنفي عن الخليل عليه السلام وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به يدلك على ذلك قوله * (ربي الذي يحيي ويميت) * البقرة 258 فالشك يبعد على من ثبتت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوءة والخلة والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول نحو قولك كيف علم زيد وكيف نسج الثوب ونحو هذا ومتى قلت كيف ثوبك وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله وقد تكون * (كيف) * خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه * (كيف) * نحو قولك كيف شئت فكن ونحو قول البخاري كيف كان بدء الوحي و * (كيف) * في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبر عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح مثال ذلك أن يقول مدع أنا أرفع هذا الجبل فيقول له المكذب أرني كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ومعناها تسليم جدلي كأنه يقول افرض أنك ترفعه أرني كيف فلما كان في عبارة الخليل عليه السلام هذا الاشتراك المجازي خلص الله له ذلك وحمله على أن يبين الحقيقة فقال له " أولم تؤمن أنه قال بلى " فكمل الأمر وتخلص من كل شك ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمأنينة قال القاضي أبو محمد وقوله تعالى " أولم تؤمن " معناه إيمانا مطلقا دخل فيه فصل إحياء الموتى والواو واو حال دخلت عليها ألف التقرير و * (ليطمئن) * معناه ليسكن عن فكره والطمأنينة اعتدال وسكون على ذلك الاعتدال فطمأنينة الأعضاء معروفة كما أنه قال صلى الله عليه وسلم (ثم اركع حتى تطمئن راكعا) الحديث وطمأنينة القلب هي أن يسكن فكره في الشيء المعتقد والفكر في صورة الإحياء غير محظورة كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها بل هي فكر فيها عبر فأراد الخليل أن يعابن فتذهب فكره في صورة الإحياء إذ حركه إلى ذلك إما أمر الدابة المأكولة وإما قول النمرود أنا أحيي وأميت وقال الطبري معنى * (ليطمئن) * ليوقن وحكي نحو ذلك عن سعيد بن جبير وحكي عنه ليزداد يقينا وقاله إبراهيم وقتادة وقال بعضهم لأزداد إيمانا مع إيماني قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه ولا زيادة في هذا المعنى تمكن إلا السكون عن الفكر وإلا فاليقين لا يتبعض وروي أن الأربعة التي أخذ إبراهيم هي الديك والطاووس والحمام والغراب ذكر ذلك ابن إسحاق عن بعض أهل العلم الأول وقاله مجاهد وابن جريج وابن زيد وقال ابن عباس مكان الغراب الكركي وروي في قصص هذه الآية أن الخليل عليه السلام أخذ هذه الطير حسبما أمر وذكاها ثم قطعها قطعا صغارا وجمع ذلك مع الدم والريش ثم جعل من ذلك المجموع المختلط جزءا على كل جبل ووقف هو من حيث يرى تلك الأجزاء وأمسك رؤوس الطير في يده ثم أنه قال تعالين بإذن الله فتطايرت تلك الأجزاء
(٣٥٣)