تعالى بأنه وسع السماوات والأرض فقال ابن عباس * (كرسيه) * علمه ورجحه الطبري وقال منه الكراسة للصحائف التي تضم العلم ومنه قيل للعلماء الكراسي لأنهم المعتمد عليهم كما يقال أوتاد الأرض وهذه الألفاظ تعطي نقض ما ذهب إليه من أن الكرسي العلم أنه قال الطبري ومنه قول الشاعر (تحف بهم بيض الوجوه وعصبة * كراسي بالأحداث حين تنوب) يريد بذلك علماء بحوادث الأمور ونوازلها وقال أبو موسى الأشعري الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل وقال السدي هو موضع قدميه قال القاضي أبو محمد وعبارة أبي موسى مخلصة لأنه يريد هو من عرش الرحمن كموضع القدمين في أسرة الملوك وهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته إليه نسبة الكرسي إلى سرير الملك والكرسي هو موضع القدمين وأما عبارة السدي فقلقة وقد مال إليها منذر البلوطي وتأولها بمعنى ما قدم من المخلوقات على نحو ما تأول في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيضع الجبار فيما قدمه قال أبو محمد وهذا عندي عناء لأن التأويل لا يضطر إليه إلا في ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم وفي كتاب الله وأما في عبارة مفسر فلا وقال الحسن بن أبي الحسن الكرسي هو العرش نفسه قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق عظيم بين يدي العرش والعرش أعظم منه وقد أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدارهم سبعة ألقيت في ترس) وقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت في فلاة من الأرض) وهذه الآية منبئة عن عظم مخلوقات الله تعالى والمستفاد من ذلك عظم قدرته إذ * (لا يؤوده) * حفظ هذا الأمر العظيم و * (يؤوده) * معناه يثقله يقال آدني الشيء بمعنى أثقلني وتحملت منه مشقة وبهذا فسر اللفظة ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم وروي عن الزهري وأبي جعفر والأعرج بخلاف عنهم تخفيف الهمزة التي على الواو الأولى جعلوها بين بين لا تخلص واوا مضمومة ولا همزة محققة كما قيل في لؤم لوم و * (العلي) * يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان لأن الله منزه عن التحيز وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا هو العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه أنه قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه وهذا قول جهلة مجسمين وكان الوجه أن لا يحكى وكذا * (العظيم) * هي صفة بمعنى عظم القدر والخطر لا على معنى عظم الأجرام وحكى الطبري عن قوم أن * (العظيم) * معناه المعظم كما يقال العتيق بمعنى المعتق وأنشد قول الأعشى (وكأن الخمر العتيق من الأسفنط * ممزوجة بماء زلال) وذكر عن قوم أنهم أنكروا ذلك وقالوا لو كان بمعنى معظم لوجب أن لا يكون عظيما قبل أن يخلق الخلق وبعد فنائهم إذ لا معظم له حينئذ سورة البقرة 256
(٣٤٢)