الثالث قال الشافعي لا يقع الطلاق إلا إذا نوياه جميعا ولا يقع منه إلا ما اتفقا عليه جميعا فإن اختلفا وقع الأقل وبطل الأكثر ودليلنا أن المقتضي لقوله اختاري ألا يكون له عليها سبيل ولا يملك منها شيئا إذ قد جعل إليها أن تخرج ما يملكه منها عنه أو تقيم معه فإذا أخرجت البعض لم يعمل بمقتضى اللفظ وكان بمنزلة من خير بين شيئين فاختار غيرهما واحتج أبو حنيفة بأن الزوج علق الطلاق بخبر من جهتها وذلك لا يفتقر إلى نيتها كما لو قال إن دخلت الدار فأنت طالق فإنه إذا وقع الطلاق لم يقع إلا واحدة كخيار المعتقة الجواب إنا نقول أما اعتبار نيتها فلا بد منه لأنها موقعة للطلاق بمنزلة الوكيل ولا يصح أن يقال إنه يتعلق بفعلها ألا ترى أنها لو اختارت زوجها لم يكن شيء فثبت أنه توكيل ونيابة وأما خيار المعتقة فلا نسلمه بل هو ثلاث واحتج الشافعي بأنه لم يقترن به لفظ الثلاث ولا نيتها الجواب إنا نقول قد اقترن به لفظها كما بيناه المسألة السادسة عشرة قوله تعالى (* (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة) *)) اعلموا علمكم الله علمه وأفاض عليكم حكمه أن الموجودات على قسمين قديم ومحدث وخالق ومخلوق والمخلوق والمحدث على قسمين حيوان وجماد والحيوان على قسمين مكلف وغير مكلف والمكلف حالتان حالة هو فيها وحالة هو منقول إليها كما قدمناه والحالة المنتقل إليها هي الحبيبة إلى الله الممدوحة منه والحالة التي هو فيها هي المبغضة إلى الله المذمومة عنده فإن ركن إليها وعمل بمقتضاها من الشهوات واللذات وأهمل الحالة التي ينتقل إليها وهي المحمودة هلك وإن كان مقصده في هذه الحالة القريبة تلك الآخرة وكان لها يعمل وإياها يطلب واعتقد نفسه بمنزلة المسافر إلى مقصد فهو في طريقه يعبر وعلى مسافته يرتحل وقلب الأول معمور بذكر الدنيا مغمور بحبها وقلب الثاني مغمور بذكر
(٥٦٤)