وبالجملة فإن الأحكام الشرعية لا تثبت بالمجازات الشعرية فإن الشعراء يتجاوزون في الاستغراق حد الصدق إلى الكذب ويسترسلون في القول حتى يخرجهم ذلك إلى البدعة والمعصية وربما وقعوا في الكفر من حيث لا يشعرون ألا ترى إلى قول بعضهم (لو لم تلامس صفحة الأرض رجلها * لما كنت أدري علة للتيمم) وهذا كفر صراح نعوذ بالله منه قال الفقيه القاضي أبو بكر رحمه الله هذا منتهى لباب كلام العلماء وهو بالغ في فنه إلا أني تأملته من طريق العربية فوجدت فيها مطلعا شريفا وهو أن بناء فعول للمبالغة إلا أن المبالغة قد تكون في الفعل المتعدي كما قال الشاعر (ضروب بنصل السيف سوق سمانها *) وقد تكون في الفعل القاصر كما قال الشاعر (نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل *) فوصفه الأول بالمبالغة في الضرب وهو فعل يتعدى ووصفها الثاني بالمبالغة في النوم وهو فعل لا يتعدى وإنما تؤخذ طهورية الماء لغيره من الحسن نظافة ومن الشرع طهارة كقوله لا يقبل الله صلاة بغير طهور وقد يأتي بناء فعول لوجه آخر ليس من هذا كله وهو العبارة به عن آلة الفعل لا عن الفعل كقولنا وقود وسحور بفتح الفاء فإنه عبارة عن الخطب وعن الطعام المتسحر به وكذلك وصف الماء بأنه طهور يكون بفتح الطاء أيضا خبرا عن الآلة التي يتطهر بها
(٤٣٧)