تفسير السمعاني - السمعاني - ج ٥ - الصفحة ٢١٦
* (ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون (4) ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم (5)) * * وقوله: * (أكثرهم لا يعقلون) أي: هم من قوم أكثرهم لا يعقلون. ويقال: كان فيهم من إذا علم يعقل ويعلم، وكان فيهم من لا يعقل ولا يعلم وإن علم، فلهذا قال: * (أكثرهم لا يعقلون) وإن علموا وعقلوا.
قوله تعالى: * (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) روي أن النبي بعث سرية فأصابوا سبايا من (بلعمر) بن غنم، فجاء رجالهم يطلبون الفداء وجعلوا ينادون: يا محمد، يا محمد اخرج إلينا نفاديك فخرج، وخلى عن بعض السبي وفادى البعض، وكان قد أراد أن يخلى عن جميعهم فلما أساءوا الأدب خلى عن بعضهم وفادى البعض فهذا معنى قوله تعالى: * (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) أي: كان خيرا لهم بأن يخلي عن جميع السبي.
وقوله: * (والله غفور رحيم) ظاهر المعنى. وفي هذه الآيات بيان استعمال الأدب في مجلس النبي. وذكر بعضهم عظم الجناية في ترك ذلك، وما يؤدي إلى حبوط العمل واستحقاق العقاب. وقد كان أصحاب رسول الله يهابون أن يتكلموا بحضرته، وكانوا يحبون أن يأتي الأعرابي من البادية فيسأل رسول الله عن الشيء ليسمعوا الجواب؛ لأنهم كانوا يهابون السؤال.
وفي حديث ذي اليدين ' أنه قال لرسول الله حين سلم عن ركعتين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ وقد كان في القوم أبو بكر وعمر ووجوه أصحاب رسول الله فهابوا أن يكلموه، وتكلم هذا الرجل؛ لأنه لم يكن يعلم من قدره وعظم حقه ما كانوا يعلمون '.
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»