* (مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) * * وأما قول ابن عباس وهو المختار فإنه خرج مغاضبا لقومه حين لم يؤمنوا، وهو حسن صحيح لا اعتراض عليه.
وأما قول من قال: إنه غاضب الملك، فروى عطية العوفي عن ابن عباس أنه كان في بني إسرائيل ملك، وكان مع ذلك نبيا يوحى إليه، وكان قد غزا بني إسرائيل قوم، فدعا الملك يونس، وأرسله إلى أولئك القوم، فقال يونس: أمرك الله بهذا أو سماني لك؟ قال: لا، ولكن أرسلك، فغضب وخرج من بينهم متوجها إلى البحر.
وقوله: * (فظن أن لن نقدر عليه) وقرأ ابن عباس: ' فظن أن لن نقدر عليه '، وهو شاذ، وقرأ ابن عامر: ' فظن أن لن نقدر عليه '. واعلم أن في الآية سؤالا معروفا يعد من مشكلات القرآن، وهو أنه قال: * (فظن أن لن نقدر عليه) فكيف يظن هذا بالله، ومن ظن هذا بالله فقد كفر؟ والجواب عنه: أن للآية وجهين: أحدهما: أن معنى قوله: * (فظن أن لن نقدر عليه) أي: لن نقدر عليه بمعنى الحكم والقضاء، يقال: قدر وقدر بمعنى واحد، إلا أنه يقال: قدر يقدر، وقدر يقدر، قال الشاعر:
(فليس عشيات اللوى برواجع * لنا أبدا ما أبرم السلم النضر) (ولا عائدا ذاك الزمان الذي مضى * تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر) يعني: يقدره.
ومن هذا قوله: ' فإن غم عليكم فاقدروا له ' أي: قدروا له، وهو خبر صحيح.
والوجه الثاني من الجواب: وهو [أن] معنى قوله: * (فظن أن لن نقدر عليه) أي: لن نضيق عليه، ومن هذا قوله تعالى: * (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه)