تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ١٠ - الصفحة ١٩٩
النار، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأما أحدهما فاعتبر وآمن، وأما الآخر فأخبر فرعون بالقصة على رؤوس الملأ، فقال له فرعون: وهل كان معك غيرك؟ قال: نعم.
قال: ومن كان معك؟ قال: فلان. فدعى به. فقال: حق ما يقول هذا؟ قال: لا، ما رأيت مما قال شيئا. فأعطاه فرعون وأجزل، وأما الآخر فقتله ثم صلبه.
قال: وكان فرعون قد تزوج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسيا بنت مزاحم، فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت: وكيف يسعني أن أصبر على ما أتى فرعون وأنا مسلمة وهو كافر، فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها فقالت: يا فرعون أنت شر الخلق وأخبثه عمدت إلى الماشطة فقتلتها، فقال: فلعل بك الجنون الذي كان بها.
قالت: ما بي من جنون، وإن إلهي وإلهها وإلهك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فمزق عليها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما فقال لهما الأمر، بأن الجنون الذي كان بالماشطة أصابها فقالت: أعوذ بالله من ذلك، إني أشهد أن ربي وربك ورب السماوات والأرض واحد لا شريك له، فقال أبوها: يا آسية ألست خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق؟ قالت: أعوذ بالله من ذلك إن كان ما تقول حقا، فقولا له: يتوجني تاجا يكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله، فقال لهم فرعون: أخرجا عني فمدها بين أربعة أوتاد يعذبها، وفتح الله سبحانه لها بابا إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت: " * (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله) *) يعني من جماع فرعون " * (ونجني من القوم الظالمين) *) يعني من فرعون وشيعته، فقبض الله سبحانه روحها وأسكنها الجنة.
وقيل: الأوتاد عبارة عن ثبات مملكته وطول مدته وشدة هيبته، كثبوت الأوتاد في الأرض كقول الأسود:
في ظل ملك ثابت الأوتاد " * (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب) *) قال قتادة: يعني لونا من العذاب صبه عليهم، وقال السدي: كل يوم لون آخر من العذاب، وقيل: وجع العذاب، وقال أهل المعاني: هذا على الاستعارة؛ لأن السوط عندهم غاية العذاب، فجرى ذلك لكل عذاب. قال الشاعر
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»