تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ١٩٩
" * (أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين) *) حجة واضحة، وأما سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه من بين الطير إخلاله بالنوبة التي كان ينوبها واحتياج سليمان (عليه السلام) إلى الماء، فلم يعلم من قصره بعد الماء، وقيل له: علم ذلك عند الهدهد، فتفقده فلم يجده فتوعده وكانت القصة فيه على ما ذكره العلماء بسيرة الأنبياء دخل حديث بعضهم في بعض:
إن نبي الله سليمان صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بناء بيت المقدس عزم على الخروج إلى أرض الحرم، فتجهز للمسير واستصحب من الإنس والجن والشياطين والطيور والوحوش ما بلغ معسكره مائة فرسخ، وأمر الريح الرخاء فحملتهم، فلما وافى الحرم وأقام به ما شاء الله تعالى أن يقيم وكان ينحر كل يوم طول مقامه جملة خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة.
وقال لمن حضره من أشراف قومه: إن هذا مكان يخرج منه نبي عربي صفته كذا وكذا، يعطى النصر على جميع من ناواه، وتبلغ هيبته مسيرة شهر بالقريب والبعيد عنده في الحق سواء لا تأخذه في الله لومة لائم.
قالوا: فبأي دين ندين يا نبي الله؟ قال: بدين الحنيفية فطوبى لمن أدركه وآمن به وصدقه.
قالوا: وكم بيننا وبين خروجه يا نبي الله؟ قال: زهاء ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فإنه سيد الأنبياء وخاتم الرسل وإن اسمه محمد في زمر الأنبياء.
قال: فأقام بمكة حتى قضى نسكه ثم أحب أن (يسعى) إلى أرض اليمن فخرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن يوم نجم سهيل فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا وأزهر خضرتها وأحب النزول بها ليصلي ويتغدى فطلبوا الماء فلم يجدوا وكان الهدهد دليله على الماء، كان يرى الماء من تحت الأرض كما يرى أحدكم كأسه بيده فينقر الأرض فيعرف موضع الماء وبعده ثم يجيء الشياطين فيسلخونه كما يسلخ الإهاب ثم يستخرجون الماء.
قال سعيد بن جبير: ذكر ابن عباس هذا الحديث، فقال له نافع بن الأزرق: فرأيت قولك الهدهد ينقر الأرض فيبصر الماء، كيف يبصر هذا ولا يبصر) حبتي القمح) فيقع في عنقه؟.
فقال له ابن عباس: ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر.
وروى قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتلوا الهدهد فإنه كان دليل سليمان على قرب الماء وبعده، وأحب أن يعبد الله في الأرض حيث يقول " * (وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة) *)) الآية.
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»