تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ١٩٠
أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره)، ثم قرأ أبو عبيدة " * (أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) *).
وقيل معناه: بورك من في النار سلطانه وقدرته وفيمن حولها.
وقال آخرون: هذا التبريك عائد إلى موسى والملائكة، ومجاز الآية: بورك من في طلب النار وقصدها بالقرب منها، وهذا كما يقال: بلغ فلان البلد إذا قرب منه، وورد فلان الماء لا يريدون أنه في وسطه، ويقال: أعط من في الدار، يريدون من هو فيها مقيم أو شريك وإن لم يكن في الوقت في الدار، ونحوها كثير.
ومعنى الآية: بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار، وهذا تحية من الله سبحانه لموسى وتكرمة له كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: " * (رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت) *).
وقال بعضهم: هذه البركة راجعة إلى النار نفسها.
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: معناه بوركت النار، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى قال: حدثنا أحمد بن نجدة قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سمعت أبيا يقرؤها: أن بوركت النار ومن حولها، وتقدير هذا التفسير أن (من) تأتي في الكلام بمعنى (ما)، كقوله سبحانه " * (ومن لستم له برازقين) *) وقوله " * (فمنهم من يمشي على بطنه) *) الآية و (ما) قد تكون صلة في كثير من المواضع كقوله " * (جند ما هنالك) *) و " * (عما قليل) *) فمعنى الآية بورك في النار وفيمن حولها وهم الملائكة وموسى (عليه السلام)، فسمى النار مباركة كما سمى البقعة مباركة فقال في " * (البقعة المباركة) *).
وأما وجه قوله " * (بورك من في النار) *) فإن العرب تقول: باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك وبارك لك، أربع لغات، قال الشاعر:
فبوركت مولودا وبوركت ناشيا وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»