تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ١٩١
فأما الكلام المسموع من الشجرة فاعلم أن مذهب أهل الحق أن الله سبحانه وتعالى مستغن عن الحد والمكان والجهة والزمان لأن ذلك كله من أمارات الحدث، وهي خلقه وملكه وهو سبحانه أجل وأعظم من أن يوصف بالجهات، أو تحده الصفات، أو تصحبه الأوقات، أو تحويه الأماكن والأقطار.
ولما كان كذلك استحال أن توصف صفات ذاته بأنها متنقلة من مكان أو حالة في مكان، وإذا ثبت هذا لم يجز أن يوصف كلامه بأنه يحل موضعا أو ينزل مكانا، كما لا يوصف بأنه جوهر ولا عرض ولا حروف ولا صوت، بل هو صفة يوصف بها الباري عز وجل فينتفى عنه بها آفات الخرس والبكم وما لا يليق به.
فأما الأفهام والأسماع فيجوز أن يكون في موضع دون موضع ومن مكان دون مكان ومن حيث لم تقع إحاطة واستغراق بالوقت على كنه صفاته، قال الله سبحانه " * (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) *).
" * (يا موسى أنه) *) الهاء عماد وليست بكناية " * (أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رآها تهتز) *) تتحرك " * (كانها جان) *) وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم، وقال الكلبي: لا صغيرة ولا كبيرة.
فإن قيل: كيف قال في موضع " * (كأنها جان) *) وفي موضع آخر " * (فإذا هي ثعبان) *) والموصوف واحد؟
قلنا: فيه وجهان:
أحدهما: أنها في أول أمرها جان وفي آخر الأمر ثعبان، وذلك أنها كانت تصير حية على قدر العصا ثم لا تزال تنتفخ وتربو حتى تصير كالثعبان العظيم.
والآخر: أنها في سرعة الجان وخفته وفي صورة الثعبان وقوته.
فلما رآها موسى (عليه السلام) * * (ولى مدبرا ولم يعقب) *) ولم يرجع، قال قتادة: ولم يلتفت.
فقال الله سبحانه " * (يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم) *) فعمل بغير ما أمر " * (ثم بدل حسنا) *) قراءة العامة بضم الحاء وجزم السين، وقرأ الأعمش بفتح الحاء والسين " * (بعد سوء فإني غفور رحيم) *).
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»