تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٦ - الصفحة ٢٩٣
أردت أن تخاصمني بفيك أم أن تحاجني بخطابك أم أردت ان تكابرني بضعفك؟ أين أنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها؟ هل علمت بأي مقدار قدرتها أم كنت معي تمد بأطرافها، أم تعلم ما بعد زواياها أم على أى شيء وضعت أكنافها؟ أبطاعتك حمل الماء الأرض، أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء؟ أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا بعلائق سيبت ولا يحملها دعم من تحتها؟ هل يبلغ من حكمتك أن تجري نورها أو تسير نجومها أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها؟
أين أنت مني يوم سخرت البحار ونبعت الأنهار؟ أقدرتك حبست أمواج البحار على حدودها أم قدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها؟ أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال؟ هل لك من ذراع يطيق حملها أم هل تدري كم من مثقال فيها، أم أين الماء الذي أنزلت من السماء؟ هل تدري أم تلده أو أب يولده؟ أحكمتك أحصت القطر وقسمت الأرزاق، أم قدرتك تثير السحاب وتغشيه الماء؟ هل تدري ما أصوات الرعود أم من أى شيء لهب البرق؟ وهل رأيت عمق البحر، أم هل تدري ما بعد الهواء، أم هل خزنت أرواح الأموات، أم هل تدري أين خزانة الثلج، أو أين خزائن البرد، أم أين جبال البرد، أم هل تدري أين خزانة الليل بالنهار، وأين خزانة النهار بالليل، وأين طريق النور، وبأى لغة تتكلم الأشجار، وأين خزانة الريح؟ وكيف تحبسه الأغلاق؟
ومن جعل العقول في الرجال؟ ومن شق الأسماع؟ ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين بجبروته وقسم أرزاق الدواب بحكمته؟ من قسم للأسد رزقها وعرف الطير معاشها وعطفها على أفراخها؟ من أعتق الوحش من الخدمة وجعل مساكنها البرية، لا تستأنس بالأصوات ولا تهاب المسلطين، أم حكمتك عطفت أمهاتها عليها حتى أخرجت لها الطعام من بطونها وآثرتها بالعيش على نفوسها، أم من حكمتك تبصر العقاب الصيد البصر البعيد وأصبح في أماكن القتلى؟
أين أنت مني يوم خلقت يهموت مكانه في مقطع التراب والوثبان يحملان الجبال والقرى والعمران، آذانهما كأنها شجر الصنوبر الطوال، ورؤسهما كأنها كوم الجبال، وعروق أفخاذها كأنها عمد النحاس، أنت ملأت جلودهما لحما أم أنت ملأت رؤسهما دماغا؟ هل لك في خلقهما من شرك أم لك بالقوة التي غلبتها يدان؟ هل تبلغ من قوتك أن تضع يدك على رؤوسهما أو تقعد لهما على طريق فتحبسهما أو تصدهما من قوتهما؟ أين أنت يوم خلقت للتنين رزقه في البحر ومسكنه في السحاب؟ عيناه توقدان نارا ومنخراه يثوران دخانا، أذناه مثل قوس السحاب، يثور منهما لهب كأنه إعصار العجاج، جوفه يحترق ونفسه تلتهب وزبده جمر كأمثال
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»