تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٦ - الصفحة ٢٩٦
قال: بطل ذلك كله في أيوب فأشيروا علي، قالوا: نشير عليك، أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة؟ قال: من قبل امرأته، قالوا: فشأنك بأيوب من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها، قال: أصبتم، فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق، فتمثل لها في صورة رجل، فقال: أين بعلك يا أمة الله؟ قالت: هو ذاك يحك قروحه، وتتردد الدواب في جسده، فلما سمعها طمع أن يكون كلمة جزع، فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعيم والمال، وذكرها جمال أيوب وشبابه، وما هو فيه من الضر، وأن ذلك لا ينقطع عنهم أبدا.
قال الحسن: فصرخت، فلما صرخت علم أن قد جزعت، فأتاها بسخلة فقال: ليذبح هذا لي أيوب ويبرأ.
قال: فجاءت تصرخ: يا أيوب حتى متى يعذبك ربك؟ ألا يرحمك؟ أين المال؟ أين الماشية؟ أين الولد؟ أين الصديق؟ إن لونك الحسن قد تغير وصار مثل الرماد، أين جسمك الحسن الذي قد بلي وتردد فيه الدواب؟ اذبح هذه السخلة واسترح.
قال أيوب: أتاك عدو الله فنفخ فيك وأجبته؟ ويلك أرأيت ما تبكين عليه مما تذكرين مما كنا فيه من المال والولد والصحة، من أعطانيه؟ قالت: الله، قال: فكم متعنا به؟ قالت: ثمانين سنة، قال: فمذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء؟ قالت: منذ سبع سنين وأشهر. قال: ويلك والله ما عدلت ولا أنصفت ربك، ألا صبرت يكون في هذا البلاء الذي ابتلانا ربنا به ثمانين سنة، كما كنا في الرخاء ثمانين سنة والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة، أمرتني أن أذبح لغير الله طعامك وشرابك الذي أتيت به؟ علي حرام أن أذوق شيئا مما تأتينني به بعد إذ قلت لي هذا، فاغربي عني فلا أراك، فطردها فذهبت فلما نظر أيوب إلى امرأته قد طردها، وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق خر ساجدا وقال: رب مسني الضر ثم رد ذلك إلى ربه فقال " * (وأنت أرحم الراحمين) *) فقيل له: إرفع رأسك فقد استجبت لك، اركض برجلك، فركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها فلم يبق عليه من دابة شيء ظاهر إلا سقط، فأذهب الله كل ألم وكل سقم، وعاد إليه شبابه وجماله أحسن ما كان وأفضل ما كان، ثم ضرب رجله فنبعت عين أخرى فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، فقام صحيحا وكسي حلة.
قال: فجعل يلتفت فلا يرى شيئا مما كان له من أهل ومال إلا وقد أضعفه الله له حتى والله ذكر لنا أن الماء الذي اغتسل منه تطاير على صدره جرادا من ذهب، قال: فجعل يضمه بيده فأوحى إليه: يا أيوب ألم أغنك؟ قال: بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها، قال: فخرج حتى جلس على مكان مشرف، ثم إن امرأته قالت: أرأيت إن كان طردني، إلى من أكله؟ أدعه يموت جوعا وتأكله السباع لأرجعن إليه، فرجعت إليه فلا كناسة ترى ولا تلك الحال التي كانت، وإذا الأمور قد تغيرت فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي، وذلك بعين أيوب
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»