تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٦ - الصفحة ٢٨٩
مبهوتين وقفا عليها يتعجبون منها، منهم من يقول: ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا في غرور، ومنهم من قال: لو كان إله أيوب يقدر على أن يصنع شيئا لمنع وليه، ومنهم من يقول: بل هو الذي فعل ما فعل ليشمت به عدوه ويفجع به صديقه.
قال أيوب: الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني، عريانا خرجت من بطن أمي، وعريانا أعود في التراب، وعريانا أحشر إلى الله سبحانه، ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك وتجزع حين قبض عاريته، الله أولى بك وبما أعطاك، ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لتقبل روحك مع تلك الأرواح فآجر لي فيك وصرت شهيدا، ولكنه علم منك شرا فاخرك، وخلصك من البلاء كما يخلص الزوان من القمح الخالص.
فرجع إبليس لعنه الله إلى أصحابه خاسئا ذليلا فقال: ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلبه، قال عفريت من عظمائهم: عندي من القوة اما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه، قال له إبليس: فأت الغنم ورعاها فانطلق يأتي الغنم ورعاها حتى إذا توسطها صاح صوتا جثمت أمواتا من عند آخرها، ومات رعاؤها، ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الرعاء حتى إذا جاء أيوب وهو قائم يصلي، فقال له القول الأول ورد عليه أيوب الرد الأول.
ثم إن إبليس رجع إلى أصحابه فقال لهم: ماذا عندكم من القوة فإني لم أكلم قلب أيوب، فقال عفريت من عظمائهم: عندي من القوة ما إذا شئت تحولت ريحا عاصفا تنسف كل شيء تأتي عليه حتى لا أبقي شيئا، قال له إبليس: فأت الفدادين والحرث، فانطلق يؤمهم وذلك حين قرنوا الفدادين وأنسؤوا في الحرث، وأولادها رتوع، فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف فنسفت كل شيء من ذلك حتى كأنه لم يكن، ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الحرث حتى جاء أيوب وهو قائم يصلي فقال له مثل قوله الأول ورد عليه أيوب مثل رده الأول، فجعل إبليس يصيب ماله مالا مالا حتى مر على آخره، كلما انتهى إليه هلاك مال من أمواله حمد الله وأحسن عليه الثناء ورضي بالقضاء ووطن نفسه للصبر على البلاء حتى لم يبق له مال.
فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله ولم ينجح منه بشيء صعد سريعا حتى وقف الموقف الذي كان يقفه فقال: إلهي إن أيوب يرى أنك ما متعته بنفسه وولده فأنت معطيه المال، فهل أنت مسلطي على ولده فإنها الفتنة المضلة والمصيبة التي لا تقوم لها قلوب الرجال ولا يقوى عليها صبرهم.
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»