تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٦ - الصفحة ٢٩٨
فجزت قرنا من رأسها فباعته برغيف فأتته به فقال لها: أين قرنك فأخبرته بذلك فحينئذ قال: مسني الضر.
وقال قوم: إنما قال: مسني الضر حين قصدت الدود إلى قلبه ولسانه فخشي أن يعيى عن الذكر والفكر.
وقال عبد الله بن عبيد بن عمير: كان لأيوب أخوان فأتياه فقاما من بعيد لا يقدران أن يدنوا منه من ريحه، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم في أيوب خيرا ما ابتلاه بما نرى: قال: فلم يسمع أيوب شيئا كان عليه أشد من هذه الكلمة، وما جزع من شيء أصابه جزعه من تلك الكلمة، فعند ذلك قال: مسني الضر، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدقني فصدق، وهما يسمعان، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أتخذ قميصين قط وأنا أعلم مكانا عار فصدقني فصدق وهما يسمعان فخر ساجدا.
وقيل معناه: مسني الضر من شماتة الأعداء، يدل عليه ما روي أنه قيل له بعدما عوفي: ما كان أشد عليك في بلائك؟ قال: شماتة الأعداء.
وقيل: إنما قال ذلك حين وقعت دودة من فخذه فرفعها وردها إلى موضعها وقال: كلي فقد جعلني الله طعامك، فعضته عضة زاد ألمها على جميع ما قاسى من عض الديدان.
وسمعت أبا عبد الله بن محمد بن جعفر الأبيوردي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن عباد البغدادي يقول: سئل أبو القاسم جنيد عن هذه الآية فقال: عرفه فاقة السؤال ليمن عليه بكرم النوال.
وسمعت استاذنا أبا القاسم بن حبيب يقول: حضرت مجلسا غاصا بالفقهاء والأدباء في دار سلطان فسئلت عن هذه الآية بعد إجماعهم على أن قول أيوب " * (مسني الضر) *) شكاية وقد قال الله سبحانه " * (إنا وجدناه صابرا) *) فقلت: ليس هذا شكاية وإنما هو دعاء، بيانه قوله سبحانه " * (فاستجبنا له) *) والإجابة تعقب الدعاء لا الاشتكاء، فاستحسنوه وارتضوه.
" * (فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم) *) واختلفوا في كيفية ذلك فقال قوم: إنما آتى الله سبحانه أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا، فأما الذين هلكوا فإنهم لم يردوا عليه، وإنما وعد الله أيوب أن يؤتيه إياهم في الآخرة.
وروى عبد الله بن إدريس عن ليث قال: أرسل مجاهد رجلا يقال له قاسم إلى عكرمة يسأله عن هذه الآية فقال: قيل له: إن أهلك لك في الآخرة، فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا،
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»