تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٧٨
فأنزل الله عز وجل: " * (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم) *).
وذكر عروة بن الزبير أن هذه الآيات نزلت في عبد الله بن أبي حين قال لأصحابه: لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضوا من حوله، ثم قال: " * (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) *). فأنزل الله تعالى " * (استغفر لهم) *). فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لأزيدن على السبعين) فأنزل الله: " * (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم) *) فأبى الله أن يغفر لهم " * (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين فرح المخلفون) *) عن غزوة تبوك " * (بمقعدهم) *) بقعودهم " * (خلاف رسول الله) *) قال قطرب والمؤرخ: يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا، وقال أبو عبيدة: يعني بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وأنشد الحرث بن خالد:
عقب الربيع خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا أي بعدهم، ويدل على هذا التأويل قراءة عمرو بن ميمون: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم " * (وقالوا لا تنفروا في الحر) *) وكانت غزوة تبوك في شدة الحر " * (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) *) يعلمون ذلك، هو في مصحف عبد الله " * (فليضحكوا قليلا) *) في الدنيا " * (وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) *) قال أبو موسى الأشعري: إن أهل النار ليبكون الدموع في النار حتى لو أجريت السفن من دموعهم لجرت، ثم إنهم ليبكون الدم بعد الدموع ولمثل ما هم فيه فليبكي.
وقال ابن عباس: إن أهل النفاق ليبكون في النار عمر الدنيا فلا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم.
شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال أنس: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا كثيرا " * (فإن رجعك الله) *) رجعك الله من غزوة تبوك " * (إلى طائفة منهم) *) يعني من المخلفين فإنما قال طائفة منهم لأنه ليس كل من تخلف عن تبوك كان منافقا " * (فاستأذنوك) *) في أن يكونوا في غزاة أخرى * (فقل لهم) * * (لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا) *) عقوبة لهم على تخلفهم " * (أنكم رضيتم بالقعود أول مرة) *) بمعنى تخلفوا عن غزوة تبوك " * (فاقعدوا مع الخالفين) *) قال ابن عباس: الرجال الذين تخلفوا بغير عذر.
الضحاك: النساء والصبيان والمرضى والزمنى، وقيل: مع الخالفين. قال الفراء: يقال: عبد خالف وتخالف إذ كان مخالفا، وقيل: (ضعفاء) الناس ويقال: خلاف أهله إذ كان ذويهم، وقيل مع أهل الفساد من قولهم: خلف الرجل على أهله يخلف خلوفا إذ فسد، ونبيذ خالف أي فاسد (من قولك): خلف اللبن خلوفا إذا حمض من طول وضعه في السقاء، وخلف فم الصائم إذا تغيرت ريحه، ومنه خلف سوء، وقرأ مالك بن دينار: مع المخالفين.
" * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) *) قال المفسرون بروايات مختلفة: بعث عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أهلكك يهود، فقال: يا رسول الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني ولكن بعثت إليك لتستغفر لي وسأله أن
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»