تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٧٤
الحسين بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن يزيد السلمي، قال: حدثنا عمار بن قيراط عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال: كنت على قضاء سمرقند فقرأت يوما حديث المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف).
فتوزع فيه فكري وانقسم قلبي وخفت على نفسي وعلى جميع الناس وقلت من ينجو من هذه الخصال؟ (فأخللت) بالقضاء وأتيت بخارى وسألت علماءها فلم أجد فرجا، فأتيت مرو فلم أجد فرجا، فأتيت نيشابور فلم أجد عند علمائها فرجا، فبلغني أن شهر بن حوشب بجرجان فأتيته وعرضت عليه قصتي وسألت عن الخبر، فقال لي: لم (أكن) أنا (حين) سمعت هذا الخبر كالحبة على المقلاة خوفا فأدرك سعيد بن جبير فإنه متولد بالري فاطلبه وسله لعلك تجد لي ولك، وسمعت أن عنده فرجا، فأتيت الري وطلبت سعيدا فأتيته وعرضت عليه القصة وسألته عن معنى الخبر.
فقال: أنا كذلك خائف على نفسي منذ بلغني هذا الخبر، وأنا خائف عليك وعلى نفسي من هذه الخصال: ولقد قاسيت وعانيت سفرا طويلا وبلايا فعليك بالحسن البصري فإني أرجو أنك تجد عنده لي ولك وللمسلمين فرجا، فأتيت البصرة وطلبت الحسن وقصصت عليه القصة بطولها، فقال رحم الله شهرا قد بلغها النصف من الخبر ولم يبلغهما النصف، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال هذا الخبر شغل قلوب أصحابه (وهابوا) أن يسألوه، فأتوا فاطمة وذكروا لها شغل قلوبهم بالخبر، فأتت فاطمة خ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته شغل قلوب أصحابه، فأمر سلمان فنادى الصلاة جامعة، فلما اجتمعوا صعد المنبر فقال: (يا أيها الناس أما إني كنت قلت: ثلاث من كن فيه فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، ما عنيتكم بها، إنما عنيت بها المنافقين، إنما قولي: إذا حدث كذب فإن المنافقين أتوني وقالوا لي: والله إن إيماننا كإيمانك وتصديق قلوبنا كتصديق قلبك، فأنزل الله عز وجل: " * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله) *) الآية، وأما قولي: إذا أؤتمن خان: فإن الأمانة الصلاة والدين كله أمانة، قال الله تعالى: " * (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم فإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) *) وفيهم قال: " * (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) *) وأما قولي: إذا وعد أخلف، فإن ثعلبة بن حاطب أتاني فقال: إني فقير ولي غنيمات فادع الله أن يبارك فيهن، فدعوت الله فنمت وزادت حتى ضاقت الفجاج بها، فسألته الصدقات فأبى علي وبخل بها، فأنزل الله عز وجل " * (ومنهم من عاهد الله) *) إلى قوله " * (بما أخلفوا الله ما وعدوه) *))
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»