تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٦٠
التي رغبت فيها. فقال: لا آخذ غيرها، فأخذ السبعين، فمات حكيم وهو أكثر قريش مالا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أعطي رجلا وأترك الآخر، والذي أترك أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أتألف هذا بالعطية، وأوكل المؤمن إلى إيمانه).
وقال صفوان بن أمية: لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس الي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.
ثم اختلفوا في وجود المؤلفة اليوم وهل يعطون من الصدقة وغيرها أم لا؟، فقال الحسن: أما المؤلفة قلوبهم فليس اليوم، وقال الشعبي: إنه لم يبق في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم، إنما كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ولي أبو بكر انقطعت الرشى، وهذا تأويل أهل القرآن، يدل عليه حديث عمر بن الخطاب حين جاءه عيينة بن حصين، فقال " * (الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) *) إن الإسلام أجل من أن يرشى عليه، أي ليس اليوم مؤلفة.
وروى أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن، قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها، ثم جئت مرة أخرى فوجدت أبا وائل وحده فقال ردها فضعها في مواضعها، قلت: فما أصنع بنصيب المؤلفة قلوبهم؟ فقال رده على الآخرين.
وقال أبو جعفر محمد بن علي: (في الناس) اليوم المؤلفة قلوبهم ثابتة، وهو قول أبي ثور قال: لهم سهم يعطيهم الامام قدر ما يرى.
وقال الشافعي: المؤلفة قلوبهم ضربان: ضرب مشركون فلا يعطون، وضرب مسلمون (إذا أعطاهم الإمام كفوا شرهم عن المسلمين)، فأرى أن يعطيهم من سهم النبي وهو خمس الخمس ما يتألفون به سوى سهمهم مع المسلمين، يدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الإسلام وأعز أهله، وأما سهمهم من الزكاة فأرى أن يصرف في تقوية الدين وفي سد خلة الإسلام ولايعطى مشرك تألف على الإسلام، ألا إن الله تعالى يغني دينه عن ذلك، والله أعلم.
" * (وفي الرقاب) *) مختصر أي في فك الرقاب من الرق، واختلفوا فيهم، فقال أكثر الفقهاء: هم المكاتبون، وهو قول الشافعي والليث بن سعد، ويروى أن مكاتبا قام إلى أبي موسى الأشعري وهو يخطب الناس يوم الجمعة فقال له: أيها الأمير حث الناس علي، فحث أبو موسى، فألقى الناس ملاءة وعمامة وخاتما حتى ألقوا عليه سوادا كثيرا، فلما رأى أبو موسى ما ألقى الناس، قال أبو موسى: أجمعوه فجمع، ثم أمر به فبيع فأعطى المكاتب مكاتبته، ثم أعطى الفضل في الرقاب ولم يرده على الناس، وقال إنما أعطى الناس في الرقاب.
وقال الحسن وابن عباس: يعتق منه الرقاب وهو
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»