تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٢٣٥
قال بعض الحكماء: المعصية تورث الكبرة، قال الله تعالى: " * (فعرفهم وهم له منكرون) *) فلما نظر إليهم يوسف وكلموه بالعبرانية، قال لهم: أخبروني من أنتم؟ وما أمركم؟ فإني أنظر شأنكم، قالوا: نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار، قال: لعلكم عيون تنظرون عورة بلادي، قالوا: والله ما نحن جواسيس وإنما نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ صديق يقال له: يعقوب، نبي من أنبياء الله، قال: وكم أنتم؟.
قالوا: كنا اثني عشر فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك فيها، وكان أحبنا إلى أبينا، فقال: فكم أنتم ها هنا، قالوا: عشره، قال: فأين الآخر؟ قالوا: عند أبينا لأنه أخ الذي هلك من أمه، وأبونا يتسلى به، قال: فمن يعلم أن الذي تقولون حق؟ قالوا: أيها الملك إنا ببلاد لا يعرفنا أحد، قال يوسف: فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين، فأنا أرضى بذلك.
قالوا: إن أبانا يحزن على فراقه وسنراوده عنه وإنا لفاعلون، قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا في يوسف وأبرهم به فخلفوه عنده، فذلك قوله تعالى: " * (ولما جهزهم بجهازهم) *) يعني حمل لكل رجل منهم بعيرا بعدتهم، " * (قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم) *) يعني بنيامين، " * (ألا ترون أني أوف الكيل) *) أي لا أبخس الناس شيئا وأتم لهم كيلهم فأزيد لكم حمل بعير في خراجكم، وأكرم مثواكم، وأحسن إليكم، " * (وأنا خير المنزلين) *) المضيفين.
" * (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي) *) ليس لكم عندي طعام أكيله لكم " * (ولا تقربون) *) ولا تقربوا بلادي بعد ذلك، وهو جزم يدل على النهي.
" * (قالوا سنراود عنه أباه) *) نطلبه ونسأله أن يرسله معنا، قال ابن عباس: سنخدعه حتى نخرجه معنا، " * (وإنا لفاعلون) *) ما أمرت به.
" * (وقال يوسف لفتيانه) *) أي لغلمانه الذين يعملون بالطعام، قرأ الحسن وحميد ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وحفص، لفتيانه بالألف والنون وهو اختيار أبي عبيدة، وقال: هي في مصحف عبد الله كذلك، وقرأ الباقون لفتيته بالتاء من غير ألف وهما لغتان مثل الصبيان والصبية.
" * (اجعلوا بضاعتهم) *) أي طعامهم، قال قتادة: أوراقهم، الضحاك عن ابن عباس قال: كانت النعل والأدم، " * (في رحالهم) *) في أوعيتهم وهي جمع رحل، والجمع القليل منه الرحيل، قال ابن الأنباري: يقال للوعاء: رحل وللمسكن رحل.
" * (لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا) *) انصرفوا، " * (إلى أهلهم لعلهم يرجعون) *) إلي واختلف العلماء في السبب الذي فعل يوسف من أجله، فقال الكلبي: تخوف يوسف أن لا يكون عند أبيه من الورق فلا يرجعون مرة أخرى، وقيل: خشي أن يضر أخذه ذلك منهم بأبيه؛ إذ كانت السنة سنة
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»