تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٢٣٤
فلما أطمأن بيوسف ملكه دخلت السنون المخصبة، ودخلت السنون المجدبة أصاب الناس الجوع وجاءت تلك السنون (.......) وكان ابتداء القحط، بينا الملك ذات ليلة أصابه الجوع نصف الليل، وهتف الملك: يا يوسف الجوع الجوع فقال: هذا أول القحط، فلما دخلت السنة الأولى من سني الجدب هلك فيها كل شيء أعدوه في السنين المخصبة، فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف، فباعهم أول سنة بالنقود حتى لم يبق في مصر دينار ولا درهم إلا قبضه، وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء، وباعهم بالسنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع، وباعهم بالسنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق عبد ولا أمة في يد أحد منهم، ثم باعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقهم، وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا له، حتى قال الناس: تالله ما رأينا كاليوم ملكا أجل ولا أعظم من هذا، ثم قال يوسف لفرعون كيف رأيت صنيع ربي فيما خولني، فما ترى لي؟ قال الملك: الرأي رأيك، وإنما نحن لك تبع، قال: فإني أشهد وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أموالهم وأملاكهم.
وروي أن يوسف (عليه السلام) كان لا يشبع من طعام في تلك الأيام، فقيل له: تجوع وبيدك خزائن الأرض، فقال: أخاف أن شبعت أن أنسى الجائع، وأمر يوسف أيضا طباخي الملك أن جعلوا الغداة نصف النهار، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين، ويحسن إلى المحتاجين، ففعل الطهاة ذلك، ومن ثم جعلت الملوك غداءهم نصف النهار.
قالوا: وقصد الناس مصر من كل حدب يمتارون، فجعل يوسف لا يمكن أحدا منهم وإن كان عظيما بأكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس وتوسعا عليهم، وتزاحم الناس عليه، قالوا: وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام من القحط والشدة ما أصاب سائر البلاد، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس فأرسل بنيه إلى مصر للميرة، فأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه فذلك قوله تعالى: " * (وجاء إخوة يوسف) *) وكانوا عشرة، وكان منزلهم بالقربات من أرض فلسطين ثغور الشام، وكانوا أهل بادية وإبل وشاة " * (فدخلوا عليه فعرفهم) *) يوسف وأنكروه لما أراد الله أن يبلغ يوسف فيما أراد.
قال ابن عباس: وكان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا مصر أربعين سنة فلذلك أنكروه وقيل: إنه كان متزيا بزي فرعون مصر، عليه ثيات حرير، جالس على سريره، وفي عنقه طوق من ذهب، وعلى رأسه تاج، فلذلك لم يعرفوه، وكان بينه وبينهم ستر ولذلك لم يعرفوه.
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»