جدب وقحط، فأحب أن يرجع إليه، وإنما أراد أن يتسع به أبوه، وقيل: رأى لو أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه فرده عليهم من حيث لا يعلمون تكرما وتفضلا.
وقيل: فعل لأنه علم أن ديانتهم وأمانتهم تحملهم على رد البضاعة ولا يستحلون إمساكها فيرجعون لأجلها، وقيل: أبدا لهم كرمه في رد البضاعة وتقديم الضمان في البر والإحسان ليكون أدعى لهم إلى العود إليه طمعا في بره.
" * (فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا) *) قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة، لو كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته، قال لهم يعقوب: إذا أتيتم ملك بمصر فاقرؤوه مني السلام وقولوا له: إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا، ثم قال: أين شمعون؟ قالوا: إنه عند ملك مصر وأخبروه بالقصة، فقال: ولم أخبرتموه؟ قالوا: إنه أخذنا وقال: إنكم جواسيس عندما كلمناه بلسان العبرانيين، وقصوا عليه القصة.
" * (وقالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا) *) بنيامين " * (نكتل) *) قرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي يكتل بالياء يعني يكتل لنفسه هو كما كنا نكتل نحن، وقرأ الآخرون بالنون بمعنى نكتل نحن، واختاره أبو عبيد " * (وإنا له لحافظون قال) *) يعقوب، " * (هل آمنكم عليه إلا كما آمنتكم على أخيه) *) يوسف " * (من قبل فالله خير حافظا) *) قرأ ابن محصن ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي: حافظا بالألف على التمييز والتفسير، كما يقال: هو خير رجلا، ومجاز الآية خيركم حافظا فحذف الكاف والميم، ويدل عليه أنها مكتوبة في مصحف عبد الله: والله خير الحافظين.
وقرأ الآخرون حفظا بغير الألف على المصدر بمعنى خيركم حفظا واختلف فيه عن عاصم * (وهو أرحم الراحمين) * * (ولما فتحوا متاعهم) *) الذي حملوه من مصر " * (وجدوا بضاعتهم) *) ثمن الطعام " * (ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي) *) أي ماذا نبغي؟ وأي شيء نطلب وراء هذا؟ أوفى لنا الكيل ورد علينا الثمن، أرادوا بذلك أن يطيبوا نفس أبيهم، و " * (ما) *) استفهام في موضع نصب ويكون معناه جحدا كأنهم قالوا: لسنا نريد منك دراهم.
" * (هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا) *) ونشتري لهم الطعام فنحمله إليهم، يقال مار أهله يمير ميرا فهو ماير، إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلده في مثله أمتار يمتار امتيارا، قال الشاعر:
بعثتك مائرا فمكثت حولا متى يأتي غياثك من تغيث وقال آخر: