قال مقاتل: كان العذاب فوق رؤوسهم قدر ميل. قال ابن عباس: قدر ثلثي ميل. قال وهب: غامت السماء غيما أسود هائلا يدخل دخانا شديدا، وهبط حتى غشى مدينتهم واسودت سطوحهم، فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا نبيهم فلم يجدوه، فقذف الله في قلوبهم التوبة فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة وأخلصوا النية، وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والأنعام، فحن بعضهم إلى بعض، وعلت أصواتهم واختلطت أصواتها بأصواتهم وحنينها بحنينهم، وعجوا وضجوا إلى الله تعالى وقالوا: آمنا بما جاء به يونس، فرحمهم ربهم واستجاب دعاءهم، وكشف عنهم العذاب بعدما أظلهم وتدلى إلى سمعهم، وذلك يوم عاشوراء.
قال ابن مسعود: بلغ من توبة أهل نينوى أن ترادوا المظالم بينهم حتى أن كان الرجل ليأتي الحجر وقد وضع عليه أساس فيقلعه ويرده.
وروى صالح المري عن أبي عمران الجوني عن أبي الجلد، قال: لما غشى قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا له: قد نزل بنا العذاب فما ترى؟ فقال: قولوا: يا حي حين لا حي ويا حي (يا) محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت، فقالوها، فكشف عنهم العذاب ومتعوا إلى حين.
قالوا: وكان يونس (عليه السلام) وعدهم العذلب فخرج ينتظر العذاب وهلاك قومه فلم ير شيئا، وكان من كذب ولم تكن له بينة قتل، فقال يونس لما كشف عنهم العذاب: كيف أرجع إلى قومي وقد كذبتهم؟ فانطلق عاتبا على ربه، مغاضبا لقومه فأتى البحر (فإذ سفينة قد شحنت) فركب السفينة (لوحده) بغير أجر، فلما دخلها وقفت السفينة، والسفن تسير يمينا وشمالا قالوا: ما لسفينتكم؟ قال يونس: إن فيها عبدا آبقا ولا تجري ما لم تلقوه، فقالوا: وأنت يا نبي العبد فلا نلقيك، فاقترعوا فوقعت القرعة عليه ثلاثا فوقع في الماء ووكل عليه حوت فابتلعه.
قال ابن مسعود: فابتلعه الحوت وجرى به حتى أتاه إلى قرار الأرض، وكان في بطنه أربعين ليلة فسمع تسبيح الحصى فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجاب الله له فأمر الحوت فنبذه على ساحل البحر (عريانا)، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، فجعل يستظل بها، ووكل الله به سخلا يشرب من لبنها، فيبست الشجرة فبكى عليها، فأوحى الله إليه: تبكي على شجرة يبست، ولا تبكي على مائة ألف إنسان أهلكهم فخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى، فقال: من أنت يا غلام؟
قال: من قوم يونس، قال: إذا رجعت إليهم فأخبرهم أنك لقيت يونس، قال الغلام: إن كنت يونس فقد تعلم أنه لم يكن لي بينة، (فإن) قلت: فمن يشهد لي؟ قال يونس: يشهد لك هذه البقعة وهذه الشجرة، قال الغلام: أراهما؟ قال يونس: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له، قالا: