تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ١٧٦
قال الله عز وجل " * (ولا يحيطون به علما) *) فكما تعرفه في الدنيا لا كالمعروفين فكذلك تراه في العقبى لا كالمرئيين.
قالوا: وقد ترى الشيء ولا تدركه كما أخبر الله تعالى عن قول أصحاب موسى (عليه السلام) حين قرب منهم فرعون " * (إنا لمدركون) *) وكان قوم فرعون قد رأوا قوم موسى ولم يدركوهم لأن الله تعالى قد وعد نبيه موسى (عليه السلام) إنهم لا يدركون بقوله " * (لا تخاف دركا ولا تخشى) *).
وكذلك قال سعيد بن المسيب: لا تحيط به الأبصار. وقال عطاء: كلت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به.
وقال الحسن: لا تقع عليه الأبصار ولا تدل عليه العقول ولا يدركه الإذعان.
يدل عليه ما روى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى " * (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) *). قال: لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا.
وأجراه بعضهم على النصوص. قال ابن عباس ومقاتل: معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة " * (وهو يدرك الأبصار) *) لا يخفى عليه شيء ولا يفوته.
وقيل: معناه لا تدركه أبصار الكافرين، فأما المؤمنون فيرونه، والله أعلم " * (وهو اللطيف الخبير) *).
قال أبو العالية: لطيف باستخراج الأشياء خبير بها.
وقال أكثر العلماء في معنى اللطيف. فقال الجنيد: اللطيف: من نور قلبك بالهدى وربي جسمك بالغدا، وجعل لك الولاية في البلوى ويحرسك من لظى ويدخلك جنة المأوى.
وقيل: اللطيف الذي أنسى العباد ذنوبهم لئلا يخجلوا. وقيل: الذي ركب من النطفة من ماء مهين وقيل: هو الذي يستقل الكثير من نعمه ويستكثر القليل من طاعة عباده.
قتادة: وقيل: اللطيف الذي يغير ولا يغير. وقيل: اللطيف الذي إن رجوته لباك وأن قصدته آواك، وإن أحببته أدناك وإن أطعته كافاك، وإن عصيته عافاك وإن أعرضت عنه دعاك، وإن أقبلت إليه عداك.
وقيل: اللطيف: الذي لا يطلب من الأحباب الأحساب والأنساب. وقيل: اللطيف: الذي يغني المفتقر إليه ويعز المفتخر به. وقيل: اللطيف: من يكافي الوافي ويعفو عن الباقي. وقيل: اللطيف: من أمره تقريب ونهيه تأريب.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»