تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ١٥٢
الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا ثم قال هكذا بيده هكذا، فحلق القوم وبرزت وجوههم فلم يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحدا وكانوا ضعفاء المهاجرين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أبشروا صعاليك المهاجرين بالفوز التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء المؤمنين بنصف يوم مقداره خمس مائة سنة).
هشام بن سليمان عن أبي يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر الفقراء إن الله رضي لي أن أتأسى بمجالسكم وأن الله معنا فقال: " * (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) *) فإنها مجالس الأنبياء قبلكم والصالحين).
معاوية بن مرة عن عائذ بن عمرو: أن سلمانا وصهيبا وبلالا كانوا قعدوا فمر بهم أبو سفيان فقالوا له: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعد. فقال لهم أبو بكر (رضي الله عنه): تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم إن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك) فوقع أبو بكر فيهم فقال: لعلي أغضبتكم؟ قالوا: لا يا أبا بكر يغفر الله لك.
" * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا) *) اختلفوا فيما نزلت هذه الآية. فقال عكرمة: نزلت في الذين نهى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال: (الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام).
وقال الكلبي: لما نزلت هذه الآية " * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) *) جاء عمر (رضي الله عنه) للنبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه من مقالته واستغفر الله تعالى منها، وقال: يا رسول الله ما أردت بهذا إلا الخير فنزل في عمر (رضي الله عنه) * * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) *) الآية.
وقال عطاء: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبلال وسالم وأبي عبيدة وصهيب بن عمير وعمر وجعفر وعثمان بن مظعون وعمار بن ياسر، والأرقم بن الأرقم وأبي سلمة بن الأسد رضي الله عنهم أجمعين.
وقال أنس بن مالك (رضي الله عنه) عنه: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا كثيرة عظيمة فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله على الرجال الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم " * (كتب ربكم على نفسه الرحمة إنه من عمل منكم سوءا بجهالة) *) قال مجاهد: لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته ركب الأمر وكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل، وقيل: جاهل بما يورثه ذلك الذنب، يقال: جهل حين آثر المعصية على الطاعة " * (ثم تاب من بعده) *) فرجع عن دينه " * (وأصلح) *) عمله، وقيل: أخلص توبته " * (فإنه غفور رحيم) *) واختلف القراء في قوله تعالى " * (إنه) *) (الكوفيون) بفتح الألف منهما جميعا. ابن كثير والأعمش وابن عمر وحمزة والكسائي على الاستئناف، ونصبها الحسن وعاصم ويعقوب بدلا من رحمة، وفتح أهل المدينة الأولى على معنى وكتب إنه وكسروا الثانية على الاستئناف لأن ما بعدها لا يخبر أبدا " * (وكذلك) *) أي هكذا، وقيل: معناه وفصلنا لك في هذه السورة والآية.
وجاء في أعلى المشروح في المنكرين من كذلك " * (نفصل الآيات) *) أي نميز ونبين لك حجتنا وأدلتنا في كل من ينكر أهل الباطل " * (ولتستبين سبيل المجرمين) *) مر رفع السبيل ومعناه وليظهر وليتضح طريق المجرمين. يقال بأن الشيء وأبان وتبيان وتبين إذا ظهر ووضح والسبيل يذكر ويؤنث، فتميم تذكر، وأهل الحجاز يؤنثه، ودليل المذكر قوله عز وجل * (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) * * (وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا) *) ودليل التأنيث قوله تعالى " * (لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا) *) وقوله عز وجل " * (قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة) *) ولذلك قرأ ولتستبين بالياء والتاء، وقرأ أهل المدينة ولتستبين بالتاء، سبيل بالنصب على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم عناه ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين، يقال واستبين الشيء وتبينته إذا عرفته " * (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم) *) في عبادة الأوثان وطرد بلال وسلمان " * (قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين) *) يعني إن فعلت ذلك فقد تركت سبيل الحق وسلكت غير الهدى.
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»