تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ٤٣
الملك ممن تشاء) *): ملك النفس حتى يغلبه هواه ويتخذه إلها. كما قال الله عز وجل " * (أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه) *).
وقال الشاعر:
ملكت نفسي فذاك ملك ما مثله للأنام ملك فصرت حرا بملك نفسي فما لخلق علي ملك.
آخر:
من ملك النفس فحر (ضاهي) والعبد من يملكه هواه وقيل: هو ملك العافية. قال الله تعالى: " * (وجعلكم ملوكا) *) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم آمنا في سربه. معافى في بدنه، وعنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).
وقيل: هو القناعة. قال النبي صلى الله عليه وسلم (ملوك أمتي القانع يوما بيوم، فمن أوتي ذلك فلم يقبله بقبوله ولم يصبر عليه شاكرا قصر عمله، وقل عقله).
وعن ابن المبارك قال: دخلت على سفيان الثوري بمكة، فوجدته مريضا شارب دواء، وبه غم شديد فسلمت عليه، وقلت: مالك يا عبد الله؟ فقال: أنا مريض شارب دواء وبي غم شديد، فقلت: أعندك بصلة؟ قال: نعم، فقلت: آتيني بها فأتاني بها، فكسرتها ثم قلت: شمها فشمها؛ فعطس عند ذلك فقال: الحمد لله رب العالمين، فسكن ما به، فقال لي: يا بن المبارك أنت فقيه وطبيب أو قال: عالم وطبيب، فقلت له: مجرب يا أبا عبد الله. قال: فلما رأيته سكن ما به وطابت نفسه. قلت: إني أريد أن أسألك حديثا. فقال: سل ما شئت.
فقلت: أخبرني ما الناس؟ قال: الفقهاء. قلت: فما الملوك؟ قال: الزهاد. قلت: فما الاشراف؟ قال: الأتقياء. قلت: فما الغوغاء؟ قال: الذين يكتبون الأحاديث ليستأكلوا به أموال الناس. قلت له: أخبرني رحمك الله: ما السفلة؟ قال: الظلمة. ثم ودعته وخرجت من عنده. قال: يا ابن المبارك عليك بهذا الخبر فإنه موجود رخيص قبل أن يغلوا فلا يوجد بالثمن.
وقال عبد العزيز بن يحيى: " * (تؤتي الملك من تشاء) *): يعني الملك على المهين وقهر الشيطان. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان ليجري من بني آدم مجرى الدم).
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»