تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٢٠٩
الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى يبعثون إليهم لتجديد ما نسوا من التوراة.
ثم خلف بعد إلياس اليسع وكان فيهم ما شاء الله أن يكون، ثم قبضه الله إليه، وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا، وظهر لهم عدو يقال له البلثانا وهم قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم من مصر وفلسطين، وهم العمالقة فظهروا على بني إسرائيل وغلبوهم على كثير من أرضهم وسبوا ذراريهم وأسروا من أبنائهم أربعين وأربعمائة غلام وضربوا عليهم الجزية، وأخذوا توراتهم ولقي بنو إسرائيل منهم بلاء وشدة، ولم يكن لهم نبي يدبر أمرهم، وكانوا يسألون أن يبعث (الله) لهم نبيا يقاتلون معه.
وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى فأخذوها وحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدله بغلام لما يرى من رغبة بني إسرائيل في ولدها، فجعلت المرأة تدعو الله عز وجل أن يرزقها غلاما، فولدت غلاما فسمته إشمويل تقول سمع الله دعائي، فكبر الغلام فأسلمته يتعلم التوراة في بيت المقدس، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه، فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيا أتاه جبرائيل ج والغلام نائم إلى جنب الشيخ، وكان لا يأتمن عليه أحدا فدعاه بلحن الشيخ: يا إشمويل فقام الغلام فزعا إلى الشيخ فقال: يا أبتاه دعوتني، فكره الشيخ أن يقول: لا فيفزع الغلام، فقال: يا بني ارجع فنم فرجع الغلام فنام، ثم دعاه الثانية فأتاه الغلام أيضا فقال: دعوتني، فقال: ارجع فنم فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني، فلما كانت الثالثة ظهر له جبرائيل ج فقال له: اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك فإن الله قد بعثك فيهم نبيا، فلما أتاهم كذبوه وقالوا استعجلت النبوة ولم يأن لك.
وقالوا: إن كنت صادقا " * (ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) *) آية من نبوتك، وإنما كان قوام أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك، وطاعة الملوك أنبياءهم، وكان الملك هو الذي يسير بالجموع، والنبي يقيم له أمره ويشير عليه، يرشده ويأتيه بالخبر من ربه عز وجل.
وقال وهب: بعث الله تعالى إشمويل نبيا فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال، ثم كان من أمر جالوت والعمالقة ما كان فقالوا لأشمويل " * (ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله) *) وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي يقاتل، بالياء جعل الفعل للملك وهو جزم على جواب الأمر، فلما قالوا له ذلك قال لهم: " * (قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال) *) هل عسيتم استفهام (منك) يقول لعلكم، وقرأ نافع والحسن: عسيتم بكسر السين (في) كل القرآن، وهي لغة، وقرأ الباقون بالفتح وهي اللغة الفصيحة، قال أبو عبد الرحمن: لو جاز عسيتم لقرئ عسى ربكم إن كتب، فرض عليكم القتال مع ذلك الملك " * (ألا تقاتلوا) *) أن لا تفوا بما تقولون ولا تقاتلوا معه.
" * (قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله) *) إن قيل: ما وجه دخول (أن) في هذا الموضع، والعرب لا تقول: مالك أن لا تفعل، وإنما يقال: مالك لا تفعل
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»