تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ١٥٣
والديك) قال عندي آخر، قال: (أنفقه على قرابتك) قال: عندي آخر قال: (أنت أبصر).
وروى محمود بن سهل عن عامر بن عبد الله قال: أتى رسول الله رجل ببيضة من ذهب (استلها) من بعض المعادن فقال: يا رسول الله خذها مني صدقة، فوالله ما أمسيت أملك غيرها، فأعرض عنه، فأتاه من ركنه الأيمن فقال له مثل ذلك فأعرض عنه. فأتاه من ركنه الأيسر فقال له مثل ذلك فأعرض عنه، ثم قال له مثل ذلك فقال مغضبا: هاتها فأخذها منه وحذفه بها حذفة لو أصابه لفجه أو عقره، ثم قال: هل يأتي أحدكم بما يملكه ليتصدق به ويجلس يكفف الناس، أفضل الناس ما كان عن طهر غني، وليبدأ أحدكم بمن يعول.
قال الكلبي: فكان الرجل بعد نزول هذه الآية إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر إلى ما يكفيه وعياله نفقة سنة أمسكه وتصدق بسائره، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يومه ذلك وتصدق بالباقي، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية وكل صدقة أمروا بها قبل نزول الزكاة.
" * (كذلك يبين الله) *) قال الزجاج: إنما قال: كذلك على الواحد وهو يخاطب جماعة لأن الجماعة معناها القبيل كأنه قال: أيها القبيل يبين الله لكم، وجائز أن يكون خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن خطابه مشتمل على خطاب أمته كقوله " * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) *) وقال المفضل بن سلمة: معنى الآية " * (كذلك يبين الله لكم الآيات) *) في النفقة " * (لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة) *) فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا، وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى.
وقال أكثر المفسرين: معناها: يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في زوال الدنيا وفنائها فتزهدوا فيها، وفي إقبال الآخرة وذهابها فترغبوا فيها.
" * (ويسألونك عن اليتامى) *) قال الضحاك والسدي وابن عباس في رواية عطية: كان العرب في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم ويشددون في أمره حتى كانوا لا يؤاكلونه، ولا يركبون له دابة، ولا يستخدمون له خادما، وكانوا يتشاءمون بملامسة أموالهم، فلما جاء الاسلام سألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وقال قتادة والربيع وابن عباس في رواية سعيد بن جبير وعلي بن أبي طلحة: لما نزل في أمر اليتامى " * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) *) وقوله " * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) *) اعتزلوا أموال اليتامى وعزلوا طعامهم من طعامهم، واجتنبوا مخالطتهم في كل شيء حتى كان يصنع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد واشتد ذلك عليهم، وسألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت " * (ويسألونك عن اليتامى) *).
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»