وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، ودفعت العير والأسيرين فأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فعظم ذلك على أصحاب السرية وظنوا أن قد هلكوا وسقطوا في أيديهم وقالوا: يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أمسينا أم في جمادى، وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية فأخذ رسول الله العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الاسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، فكان أول غنيمة في الاسلام، وبعث أهل مكة في فداء أسيرهم فقال: بل نوقفهم حتى يقدم سعد وعتبة وإن لم يقدما قتلناهما، فلما قدما فداهم.
وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقتل يوم بئر معونة شهيدا، وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة ومات فيها كافرا، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين، فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا، وقتله الله وحجب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية) فهذا سبب نزول قوله: " * (يسألونك عن الشهر الحرام) *) يعني توخيا، سمي بذلك لتحريم القتال فيه لعظم حرمته، وكذلك كان يسمى في الجاهلية، تنزع الأسنة وتفصل الال، لأنهم كانوا ينزعون الأسنة والنصال عند دخول رجب انطواء على ترك القتال فيه، وكان يدعى الأصم لأنه لا تسمع فيه قعقعة السلاح فنسب الصمم إليه، كما قيل: ليل نائم، وسر كاتم.
يدل عليه ما روى عطاء عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن رجب شهر الله ويدعى الأصم، وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها، وكان الناس يأمنون ويأمن السبيل فلا يخاف بعضهم بعضا حتى ينقضي).
" * (قتال فيه) *) خفضه على تكرير (عن)، تقديره: وهل قتال فيه وكذلك هي في قراءة عبد الله ابن مسعود والربيع بن أنس " * (قل) *) يا محمد " * (قتال فيه كبير) *) عظيم ثم (كلام) ثم قتال " * (وصد عن سبيل الله) *) منع عن سبيل الله على الابتداء وخبره أكبر، وذلك حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت " * (وكفر به) *) أي بالله " * (والمسجد الحرام) *) أي وبالمسجد " * (وإخراج أهله) *) أي أهل المسجد " * (منه أكبر) *) وأعظم وزرا وعقوبة " * (عند الله والفتنة) *) أي الشرك أكبر من القتل، يعني قتل ابن الحضرمي فلما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن جحش إلى مؤمني مكة: إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام فعيروهم أنتم بالكفر وإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ومنعهم عن البيت.