تفسير السلمي - السلمي - ج ١ - الصفحة ٢٣٩
وصل إليه لم تعترض عليه عارضة، حينئذ صلح للمجيء، إلى الله وحده بلا شريك ولا نظير وكان ممن وفى المواقيت حقها، غابت عنه الأحوال فلم يرها وذهبت عن عينه وحضوره، وما عداها إلا ما كان للحق منه ومعه حتى تحقق بقوله: * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * فهذا حال المجيء وهذا معنى قوله * (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه) * تفرد بكلامه لأنه كان قبل ذلك مكلما بالسر والسفرة والوسائط، فلما رقى الله به إلى المقام للأجل وحققه بالحال الأعظم الأرفع، خاطبه مكلما على الكشف، وغيبه عن كل عين رائية ومرئية وكل صورة مكونة ومنشئة إلا ما كان من المكلم والمكلم، وأفرد الله عبده بالشرف الأعظم فسمع خطابا لا كالمخاطبات ومناج منه وله عند ذلك طلب لا كالمطالبات، واقتضى من الله ما لم تكن قبل يقتضيه، فلذلك سأل النظر إليه إذ رجع إلى حقيقته فرأى الله في كل منظور ومبصر، فلما تحققت له هذه الأحوال * (قال رب أرني أنظر إليك) * فإني في كل مرادي راجع إليك، أي أرني ما شئت فلست أرى غيرك مقابلي، إذ تحققت بما حققتني به إنك غير مزايلي ألم يدلك على ذلك خطابه ورجوعه إليك إذ ذاك جوابه أرني فإليك أنظر وأحضر ما شئت فلست غيرك أحضر بعد أن تحققت منك بحال توجب لي منك ذاك، وحق لمن تحقق بهذا وتمكن فيه أن ينفرد بسؤال لا تشاركه فيه الخليقة.
قوله تعالى: * (قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل) * [الآية: 143].
فهو أشد منك جسدا وأعظم منك خلقا وأهيب منك منظرا، فإن ثبت لرؤيتي ثبت ولا يحملني ولا يصبر لمشاهدتي شيء إلا قلوب العارفين التي زينتها بمعرفتي وأيدتها بأنوار كرامتي وقدستها بنظري ونورتها بنوري، فإن حملني شيء وصبر لمشاهدتي فتلك القلوب دون غيرها، لذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ' حجابه النور لو كشفه لأحرقت
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»