بالصبر فقد كفر بنعم الله عنده.
قال أبو عثمان: أتطلب ربا غيره وهو فضلك على ما سواك من جميع ذوات الأرواح والجماد فتذل وتخضع لغيره، وهو فضلك عليه، ذل لمن لا يذل من يذل له، تستوي معه وتنل به الأوفر من العز.
قوله عز اسمه * (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر) * [الآية: 142].
قيل لأبي بكر بن طاهر: ما بال موسى لم يجع أربعين يوما حين أراد أن يكلم ربه، وجاع في نصف يوم حين أراد أن يلقى الخضر فقال: * (آتنا غداءنا) * الآية قال: لأنه في الأول أنساه هيبة الوقوف الذي ينتظره الشراب والطعام، والثاني كان سفر التأديب فزاد البلاء على البلاء حتى جاع في أقل من نصف يوم، والأول كان أوقات الكرامة.
قال جعفر: كان وعده ثلاثين ليلة فالتزم على ميعاد ربه وانتهى الأجل لقدومه فأخرجه عن حده ورسمه، وأكرم موسى بكلامه وبان عليه شرفه خارجا عن رسوم البشرية حتى سمع ما سمع من ربه من غير نفسه وعلمه وغير وقته الذي وقته لقومه، دليلا بذلك أن منار الربوبية خارج عن رسوم البشرية.
وسمعنا بعض المتأخرين يقول في هذه الآية: مواعيد الأحبة وإن أخلفت بها فإنها يؤنس بها.
وأنشد على أثره:
(أمطليني وسوفي * وعديني ولا تفي * قوله تعالى: * (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي) * [الآية: 142].
قال محمد بن حامد في قوله: * (اخلفني في قومي) * قال: لم يزل الأنبياء والأولياء خلف يخلفهم فيمن بعدهم من أمتهم وأصحابهم، يكون هديهم على هديه، يحفظون على أمتهم ما يضعونه من سنتهم وأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان هو القائم بهذا المقام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقم هو؛ لذهبت سنن منها محاربة أهل الردة وغير ذلك.