أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٢٩
بنو قريظة إلى الأحزاب أبي سفيان وأصحابه، فأقبل نعيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها وما أرسلت بنوا قريظة إلى الأحزاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعلنا أمرنا بذلك "، فقام نعيم يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكان نعيم رجلا لا يكتم الحديث، فلما ولى من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاهبا إلى غطفان قال عمر: يا رسول الله ما هذا الذي قلت! إن كان أمرا من أمر الله فامضه وإن كان هذا رأيا رأيته من قبل نفسك فإن شأن بني قريظة أهون من أن تقول شيئا يؤثر عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل هذا رأي إن الحرب خدعة ". وروى أبو عثمان النهدي عن عمر قال: " إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب ". وروى الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: " ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم ". وقال إبراهيم صلوات الله عليه للملك حين سأله عن سارة فقال: من هي منك؟ قال: هي أختي، لئلا يأخذها، وإنما أراد أختي في الدين، وقال للكفار: إني سقيم، حين تخلف ليكسر آلهتهم، وكان معناه: إني سأسقم يعني أموت، كما قال الله تعالى: (إنك ميت) [الزمر: 30]، فعارض بكلامه عما سألوه عنه إلى غيره على وجه لا يلحق فيه الكذب. فهذه وجوه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالاحتيال في التوصل إلى المباح، وقد كان لولا وجه الحيلة فيه محظورا، وقد حرم الله الوطء بالزنا وأمرنا بالتوصل إليه بعقد النكاح وحظر علينا أكل المال بالباطل وأباحه بالشرى والهبة ونحوها، فمن أنكر التوصل إلى استباحة ما كان محظورا من الجهة التي أباحته الشريعة فإنما يرد أصول الدين وما قد ثبتت به الشريعة.
فإن قيل: حظر الله تعالى على اليهود صيد السمك يوم السبت فحبسوا السمك يوم السبت وأخذوه يوم الأحد فعاقبهم الله عليه. قيل له: قد أخبر الله تعالى أنهم اعتدوا في السبت: وهذا يوجب أن يكون حبسها في السبت قد كان محظورا عليهم، ولو لم يكن حبسهم لها في السبت محرما لما قال: (اعتدوا منكم في السبت) [البقرة: 65].
مطلب: يجوز للإنسان إظهار ضر مسه عند الحاجة إليه قوله تعالى: (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) إلى قوله: (وتصدق علينا). لما ترك يوسف عليه السلام النكير عليهم في قوله: (مسنا وأهلنا الضر) دل ذلك على جواز إظهار مثل ذلك عند الحاجة إليه وأنه لا يجري مجرى الشكوى من الله تعالى.
وقوله: (فأوف لنا الكيل) يدل على أن أجرة الكيال على ا لبائع، لأن عليه تعيين المبيع للمشتري ولا يتعين إلا بالكيل، وقد قالوا له: (فأوف لنا الكيل) فدل على أن الكيل قد كان عليه.
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»