34]، وكقوله: (فماذا تأمرون) [الشعراء: 35] وقبله حكاية قول الملأ: (يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره) [الشعراء: 35].
قوله تعالى: (إن النفس لأمارة بالسوء)، يعني أن النفس كثيرة النزاع إلى السوء، فلا يبرئ نفسه وإن كان لا يطاوعها. وقد اختلف الناس في قائل هذا القول، فقال قائلون: " هو من قول يوسف "، وقال آخرون: " هو من قول المرأة ". الأمارة: الكثيرة الأمر بالشيء، والنفس بهذه الصفة لكثرة ما تشتهيه وتنازع إليه مما يقع الفعل من أجله، وقد كانت إضافة الأمر بالسوء إلى النفس مجازا في أول استعماله ثم كثر حتى سقط عنه اسم المجاز وصار حقيقة، فيقال نفسي تأمرني بكذا وتدعوني إلى كذا من جهة شهوتي له، وإنما لم يصح أن يأمر الانسان نفسه في الحقيقة لأن في الأمر ترغيبا للمأمور بتمليك مالا يملك، ومحال أن يملك الانسان نفسه مالا يملكه لأن من ملك شيئا فإنما يملك ما هو مالكه.
قوله تعالى: (وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين). هذا الملك لما كان من أهل العقل والدراية لم يرعه من يوسف منظره الرائع البهج كما راع النساء لقلة عقولهن وضعف أحلامهن، وأنهن إنما نظرن إلى ظاهر حسنه وجماله دون علمه وعقله وأن الملك لم يعبأ بذلك، ولكنه لما كلمه ووقف على كماله ببيانه وعلمه قال: (إنك اليوم لدينا مكين أمين)، فقال يوسف: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)، فوصف نفسه بالعلم والحفظ.
مطلب: يجوز للإنسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه وفي هذا دلالة على أنه جائز للإنسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه، وأنه ليس من المحظور من تزكية النفس في قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم) [النجم:
32].
قوله تعالى: (ائتوني بأخ لكم من أبيكم) إلى قوله: (فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي). يقال إن الذي اقتضى طلبه للأخ من أبيهم مفاوضته لهم بالسؤال عن أخبارهم، فلما ذكروا إيثار أبيهم له عليهم بمحبته إياه مع حكمته أظهر أنه يحب أن يراه وأن نفسه متطلعة إلى علم السبب في ذلك، وكان غرضه في ذلك التوصل إلى حصوله عنده، وكان قد خاف أن يكتموا أباه أمره إن ظهر لهم أنه يوسف وأن يتوصلوا إلى أن يحولوا بينه وبين الاجتماع معه ومع أخيه، فأجرى تدبيره على تدريج لئلا يهجم عليهم ما يشتد اضطرابهم معه.