معتبرا في تلك الحقوق، وإذا احتمل ذلك لم يجز تخصيص الآية والأثر المتفق على نقله به. وأيضا فقد روي: " ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة "، فجائز أن يريد به زكاة التجارة بأن يكون سأل سائل عن أقل من خمسة أوسق طعام أو تمر للتجارة، فأخبر أن لا زكاة فيه لقصور قيمته عن النصاب في ذلك الوقت، فنقل الراوي كلام النبي صلى الله عليه وسلم وترك ذكر السبب كما يوجد ذلك في كثير من الأخبار.
ذكر الخلاف في اجتماع العشر والخراج فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: " لا يجتمعان ". وقال مالك والثوري والحسن بن صالح وشريك والشافعي: " إذا كانت أرض خراج فعليه العشر في الخارج والخراج في الأرض ". والدليل على أنهما لا يجتمعان أن عمر بن الخطاب لما فتح السواد وضع على الأرض الخراج ولم يأخذ العشر من الخارج وذلك بمشاورة الصحابة وموافقتهم إياه عليه، فصار ذلك إجماعا من السلف وعليه مضى الخلف، ولو جاز اجتماعهما لجمعهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بالناضح نصف العشر " وذلك إخبار بجميع الواجب في كل واحد منهما، فلو وجب الخراج معه لكان ذلك بعض الواجب لأن الخراج قد يكون الثلث أو الربع وقد يكون قفيزا ودرهما. وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد رد العشر إلى النصف لأجل المؤنة التي لزمت صاحبها، فلو لزم الخراج في الأرض لزم سقوط نصف العشر الباقي للزوم مؤنة الخراج، ولكان يجب أن يختلف حكم ما تغلظ فيه المؤنة وما تخف فيه كما خالف النبي صلى الله عليه وسلم بين ما سقته السماء وبين ما سقي بالناضح لأجل المؤنة. ويدل عليه حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " منعت العراق قفيزها درهمها " ومعناه: ستمنع، ولو كان العشر واجبا لاستحال أن يكون الخراج ممنوعا منه والعشر غير ممنوع، لأن من منع الخراج كان للعشر أمنع، وفي تركه ذكر العشر دلالة على أن لا عشر في أرض الخراج. وروى أن دهقانة نهر الملك أسلمت، فكتب عمر أن يؤخذ منها الخراج إن اختارت أرضها. وروي أيضا أن رفيلا أسلم، فقال له علي: " إن أقمت على أرضك أخذنا منك الخراج "، ولو كان العشر واجبا مع ذلك لأخبرا بوجوبه ولم يخالفهما في ذلك أحد من الصحابة. وأيضا لما كان العشر والخراج حقين لله تعالى لم يجز اجتماعهما عليه في وقت واحد، والدليل عليه اتفاق الجميع على امتناع وجوب زكاة السائمة وزكاة التجارة.
فإن قيل: إن الخراج بمنزلة الأجرة والعشر صدقة، فكما جاز اجتماع أجر الأرض