أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٧
فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إن أبا حثمة قد زاد على! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ابن عمك يزعم أنك قد زدت عليه " فقال: يا رسول الله لقد تركت له قدر عرية أهله وما يطعم المساكين وما يصيب الريح، فقال: " قد زادك ابن عمك وأنصفك "، والعرايا هي الصدقة، فإنما أمر بذلك الثلث صدقة. ويدل عليه حديث جرير بن حازم عن قيس بن مسعود عن مكحول الشامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خففوا في الخرص فإن في المال العرية والوصية " فجمع بين العرية والوصية، فدل على أنه أراد الصدقة. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس في العرايا صدقة "، فلم يوجب فيها صدقة لأن العرية نفسها صدقة، وإنما فائدة الخبر أن ما تصدق به صاحب العشر يحتسب له ولا تجب فيها صدقة ولا يضمنها.
ذكر الخلاف في اعتبار ما يجب فيه الحق فقال أبو حنيفة وزفر: " يجب العشر في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره إلا ما قدمنا ذكره ". وقال أبو يوسف ومحمد ومالك وابن أبي ليلى والليث والشافعي: " لا يجب حتى يبلغ ما يجب فيه الحق خمسة أوسق " وذلك إذا كان ما يجب فيه الحق مكيلا، فإن لم يكن مكيلا فإن أبا يوسف اعتبر أن يكون فيه خمسة أوسق من أدنى الأشياء التي تدخل في الوسق مما يجب فيه العشر إلا في العسل، فإنه روي عنه أنه اعتبر عشرة أرطال، وروي أنه اعتبر عشر قرب، وروي أنه اعتبر قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يدخل في الوسق.
وأما محمد فإنه ينظر إلى أعلى ما يقدر به ذلك الشئ فيعتبر منه أن يبلغ خمسة أمثال، وذلك نحو الزعفران، فإن أعلى مقاديره منا فيعتبر بلوغه خمسة أمناء، لأن ما زاد على المن فإنه يضاعف أو ينسب إليه فيقال منوان وثلاثة ونصف من وربع من، ويعتبر في القطن خمسة أحمال لأن الحمل أعلى مقاديره وما زاد فتضعيف له، وفي العسل خمسة أفراق لأن الفرق أعلى ما يقدر به. ويحتج لأبي حنيفة في ذلك بقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) وذلك عائد إلى جميع المذكور، فهو عموم فيه وإن كان مجملا في المقدار الواجب، لأن قوله: (حقه) مجمل مفتقر إلى البيان، وقد ورد البيان في مقدار الواجب وهو العشر أو نصف العشر. ويحتج فيه بقوله تعالى: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) [البقرة: 267] وذلك عام في جميع الخارج، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم، " فيما سقت السماء والعشر " ولم يفصل بين القليل والكثير. ومن جهة النظر اتفاق الجميع على سقوط اعتبار الحول فيه، فوجب أن يسقط اعتبار المقدار كالركاز والغنائم.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»